يلحظ المتجول بأسواق قطاع غزة "تقليعة" حديثة طرأت على ملابس العيد، المتعلقة خصيصاً بعماد المجتمع -الشباب- ترتكز في تعدد ألوان الثياب لدرجة أن نزعوا احتكار الإناث لها.
ومصطلح "تقليعة" ارتأينا استخدامه في ديباجة التقرير، ومعناه في قواميس اللغة العربية "بِدْعَة جديدة في السلوك والملابس"، لنقصد أنها دخيلة على ثقافة المجتمع الفلسطيني.
المحال التجارية الكبرى بغزة تتنافس على إغراء الشباب بألوان بناطيل أرهقت لفقاعتها العين، فمنها الأصفر والأخضر والأحمر، بعدما اقتصرت سلفاً على اللونين الأسود والأزرق الداكن وما بينهما.
يقول "تامر حميد" شاب يافع يبلغ من العمر 23 عاماً، إنه أقبل على هذه "الموضة" كي يواكب ما أسماه "تطور المظهر الخارجي للشاب".
ورأى أن الشباب جلهم يدركون جيداً أهمية اللباس الأنيق، لذلك تجد منافسة عدَّها "إيجابية" للخروج عن اللباس المألوف.
وتختلف العائلات في وجهات نظرها في تقليد الشباب للموضة, فتجد بعضها مسايرة للموضة ولا تمنع أبناءها من مجاراة التقليعات الحديثة، فيما تحاول أسر أخرى دفع أولادها إلى مجاراة المجتمع والتقاليد السائدة وعدم الاندفاع وراء الحداثة على حساب المجتمع وتقاليده الإسلامية.
أما "خالد لافي" طالب جامعي يبلغ من العمر 24 ربيعاً؛ فيرى أن إقبال الشباب على مثل هذه بناطلين بمنزلة "سباق نحو العُري" !
ويقول: "صحيح أني من عشاق الماركات الجديد ولا أحبذ التقليد؛ بيد أن ذلك لا يدفعني لتقبل كل ما هو دخيل في ثقافتنا الفلسطينية".
وأضاف: "شباب اليوم الطائش، لم يترك لنا مجالاً كي نفرق بينه وبين الفتاة، فتراه يرتدي قميصاً ضيقاً وحزاماً لامعاً، ويتفاخر بشعره الطويل وخصلاته، ولم تعد الألوان الوردية حكراً على الفتيات فقط"، وأكمل ساخراً: "حقاً هزلت".
ملابس دخيلة
وتجد في أسواق غزة ألبسة كتب عليها عبارات باللغة الانجليزية أو اللاتينية أو العبرية غير المألوفة، ومرتدو هذه الملابس لا يدركون معناها التي تعبر بصورة صارخة عن الاختلاف الأخلاقي والثقافي بين مجتمعاتنا الإسلامية وما تعكسه هذه العبارات من ثقافة غريبة عنها، ومناقضة للأخلاق.
"محمد يوسف" رجل خمسيني أبدى انزعاجه الشديد للبدعة الدخلية، وما يدور في متاجر الملابس.
وحمَّل يوسف أصحاب المتاجر ذاتها المسؤولية الكاملة عن ضرب الثقافة الإسلامية، قائلاً: "أصحاب الشركات المنتجة تهدف الى الربح، والتسابق في سبيل منح التميز على حد قولهم وترويجهم للشباب".
وأما أبو خالد (45عاما) فيصوّب نظره إلى واجهة المحال التجارية المنتشرة على طول شارع النصر وسط مدينة غزة، ويحدّق في موديلات الملابس الشتوية المعروضة بألوانها المختلفة، على أمل أن تجد عرضا خاصا بالتنزيلات، لكن دون جدوى.
ويقول أبو خالد وهوا يتجول برفقة طفله بين المحال التجارية: "أصبحت أسعار الملابس ملتهبة، ولا يوجد محل يوجد به ملابس جميلة غير المعروضة"، مضيفاً: "في الأعوام السابقة كنت أشتري ملابسي وأنا بكامل الأريحية دون التعب مثل هذا اليوم" والسبب من وجه نظره: "كل المعروض في المحلات ملابس منافية لعقائدنا الإسلامية والأخلاقية".
وذكر أن الشباب يعمدون إلى تقليد الغرب بطريق عمياء، دون حد أدنى من التفكر.
ويبرر تاجر الملابس وصاحب إحدى المحال التجارية "أبو أحمد" الذي اكتفى بالكنية، جلب الملابس الملونة بأنها "ذات جودة عالية" !
ويقول: "حال بروز موضة جديد يسارع أصحاب المحال التجارية إلى طلبها دون النظر لجودتها أو حتى عمل أي اعتبار للثقافة السائدة بالمجتمع، وبدوري أعمل على توفير مطالبهم كسباً للربح لا أكثر".
واستدرك: "أنا تاجر ومهمتي أن أشتم آخر صيحة في الأسواق".
انهيار أخلاقي
د. درداح الشاعر أستاذ علم النفس، أكد لـ "الرسالة نت" أن ملابس اليوم التي يرتديها الشباب "الطائش" تعكس مدى الانهيار الأخلاقي والعقائدي لديهم.
وقال: "ما نراه من ارتداء الشباب للملابس الملونة، هو انتشار ثقافة المجتمع الغربي بما يحمله من قيم وعادات وسلوكيات تتعارض مع قيمنا المجتمعية والدينية".
وأوضح أن غياب الوعي لدى الأهل والمؤسسات التعليمية بخطورة هذه الدلالات من جهة، وانبهار الشباب بالثقافة الغربية من جهة أخرى، ساهم في انتشار هذه الثقافة، وقد ساعد في ذلك ظاهرة الانفتاح الإعلامي.
وأضاف الشاعر"هوس الشباب بالملابس الغريبة وقصات الشعر الملفتة للنظر، جميعها سلوكيات بسبب تدهور وهجر الثقافة العربية من قبل الكثير من الشباب لإحساسهم بأن الثقافة العربية لم تعد تشبع رغباتهم ولا تلبي فضولهم لمعرفة ما هو جديد، وأصبح لديهم ثقة بكل ما يصدره لنا الغرب بغض النظر عن ماهيته".
وأشار الى أن وجود هذه الظاهرة وغيرها من ظواهر التقليد الأعمى للغرب يعود لتقلص دور الأسرة في التوجيه والتربية، فلم تعد الأسرة هي مصدر عادات وقيم الأفراد، وترك هذا الدور إلى وسائل الأعلام التي باتت تشكل رغبات الشباب وتحركها.
ونصح المختص النفسي بالتصدي لهذه الظاهرة من خلال توجيه الشباب للالتزام بتعاليم الدين وقيمه الإنسانية والتأكيد على أهمية اللباس، بصفته مظهراً من مظاهر الانتماء وتعبير عن الالتزام بالهوية الفلسطينية.
ومن الناحية الشرعية؛ قال رئيس رابطة علماء فلسطينيين د. سالم سلامة: "إنه لا يجوز للتجار بغزة جلب الملابس المنافية للقيم الإسلامية والعقائدية".
ونهى سلامة في حديثه لـ "الرسالة نت" عن لبس الشاب المسلم الملابس التي تظهر تفاصيل الجسد، ناصحاً بالملابس الفضفاضة الواسعة، التي تخلو من الخرز والرسومات.
ورأى أن الملابس الملونة وجدت لأسواق الغرب وليست للأسواق الفلسطينية، قائلاً: "أولئك لا يخفون على أعراضهم، ومستباح عندهم العري في الأماكن العامة".
ويرقب المعارضون لموضة الثياب الشبابية الملونة تحركاً ملومساً من المسؤولين؛ للإنقضاض على ثقافة دخلية "وتقليعة حديثة" غزت الأسواق الفلسطينية دون حسيب أو رادع.