قرنٌ إلا خمس سنوات هو مقدار السنون التي مرت بعد الإعلان المشئوم الذي أصدره وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور بإقامة دولة صهيونية في الأراضي الفلسطينية, وهو نفسه الوعد الذي أطلقه من لا يملك لمن لا يستحق.
((إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى)).
ذلك كان نص الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية البريطاني "آرثر جيمس بلفور" إلى اليهودي "ليونيل وولتر دي روتشيلد" في الثاني من تشرين ثاني/ نوفمبر عام 1917م، والتي وعده فيها بمساعدة اليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، ما أسماه المؤرخون فيما بعد، " وعد من لا يملك لمن لا يستحق".
وادعى اليهود قبل عقدهم للمؤتمر الصهيوني الأول، وإعلانهم عن قيام (إسرائيل)، أن لا وجود عربي يذكر في فلسطين، وهذا ما فندته الحقائق التاريخية وشهادات الفلسطينيين الذين عايشوا الاحتلال الإسرائيلي، حيث تؤكد شهادات استحضرها فلسطينيون عايشوا ما قبل النكبة أن وجود اليهود كان غير مرغوب بين (الفلسطينيين)، ولكن الوجود البريطاني عزز من وجودهم.
ويشير كتّاب التاريخ إلى أنه وبعد إعدام البريطانيين لعز الدين القسام الذي أخذ الثورة الفلسطينية على عاتقه، تنبه الناس لوجود اليهود، وصارت حرب الفدائيين مزدوجة، حيث حارب الفدائيون الجنود البريطانيين واليهود في آن واحد، ونفذوا العمليات العسكرية البسيطة، وهجموا على المستوطنات (الإسرائيلية).
وتابعت الثورات الفلسطينية وهذه المرة على نطاق أوسع، فأعلن الإضراب الجماعي في 1936، ومنع المناضلون دخول الطعام للمستوطنات اليهودية، وتزايد الوعي الفلسطيني بخطورة وجود اليهود، فقد المقاومون البريطانيين واليهود، حتى قدموا الاقتراحات لفك الإضراب.
وان من ضمن اقتراحات البريطانيين، إقامة دولة مشتركة، يحسب فيها خمسة فلسطينيين مقابل ثلاثة من اليهود، ولما لم تنجح اقتراحاتهم، نفوا "المحرضين" حسب رأيهم إلى جزيرة "سيسل" وكان وجهات القوة الإسلامية والوطنية في فلسطين أمثال الحج أمين الحسيني من أول المنفيين، لتحريضه المواطنين على الثورة ورفض الوجود "اليهودي".
وأدرك الفلسطينيون خطورة "اليهود"، واستمروا في العمل المسلح، حتى النكبة الفلسطينية واحتلال اليهود كافة الأرض الفلسطينية.
وفي تعريجنا على وعد بلفور .. يقول الباحثون: "إن المواطن الفلسطيني لم يدرك خطورة هذا الوعد، والاستحقاقات المترتبة عليه إلا بعد الثورة الفلسطينية الكبرى، والنكبة، رغم جهود المثقفين الفلسطينيين والدعاة وقادة القوى الوطنية في إبراز خطورته".
وبعد "بلفور" – كما يشير التاريخيون- احتلت بريطانيا كامل الأرض الفلسطينية، وشرع الجنرال "اللمبي" قائد القوات البريطانية في فلسطين آنذاك بفتح أبواب الهجرة لليهود للاستيطان في القدس"، حيث كان وجود اليهود لا يتجاوز 3% من السكان، لكن الاحتلال البريطاني جعل منهم أصحاب شأن ومشاركين أساسيين في قرارات الحكومة، :"في حين هُمش الرأي العربي ولم يؤخذ به".
وحين انتهاء الانتداب لم يتجاوز عدد اليهود في فلسطين 32% من سكانها، إلا أنهم استمروا في الهجرة والاستيطان، كما وأن تهيئة الهدنة العربية -اليهودية الطويلة للأجواء بعد النكبة، شجعت اليهود على إعلان ما يسمى بـ( إسرائيل) على الأراضي الفلسطينية.