لا يمر تاريخ الثالث من نوفمبر من كل عام عابراً على الحاج السبعيني فراس بربخ -أبو فريد- ودائماً ما يجمع أحفاده وجيرانه ليحدثهم عن مشاهد مروعة ومؤلمة من المذبحة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة عام 1956.
لا يمل أبو فريد من الحديث كل عام عن المذبحة وتفاصيل شاهدها بأم عينه، حين اقتحم الاحتلال حارته وجمع أكثر من 30 شاباً من عائلته, واقتادهم الى قلعة برقوق وأعدمهم بدم بارد عبر إطلاق النار من مسافة قريبة.
يقول أبو فريد لـ "الرسالة نت": "كانت تلك الايام مروعة وعشنا أوضاعاً صعبة في ظل القصف وإطلاق النار العشوائي، واقتحام البيوت واعدام الشباب والشيوخ، وتناثر الدماء على الجدران".
ويضيف في شهادته على المذبحة "كنا يومها في منزلنا الذي يقابله مسجد أهل الكتاب والسنة، وقتها اعتلى مئذنة الجامع مجموعة من جنود الاحتلال, ونادوا عبر مكبرات الصوت بسرعة خروج الشباب من المنازل فوراً".
تنهد أبو فريد وهو يصف ذلك المشهد وتابع: "جمعوا حينها أكثر من 30 شابا واقتادوهم الى منطقة قلعة برقوق وأوقفوهم على جدرانها، وجرى إعدامهم رميا بالرصاص".
ويستذكر الحاج السبعيني، مشهداً من مشاهد المذبحة، وقت أن طلب جنود الاحتلال من جاره "عبد رزق بربخ" في أول أيام زواجه الخروج من المنزل، وسرعان ما أعدموه على عتبة بيته وأمام ناظري زوجته.
بدأت المذبحة في الثالث من نوفمبر عام 1956، وانتهت في اليوم الثاني عشر من الشهر ذاته، وخلال تسعة أيام وصل عدد الشهداء إلى أكثر من 3000 شهيد من الفلسطينيين والمصريين، وفق آخر الإحصاءات الواردة عن لجنة احياء وتوثيق ذكرى المذبحة.
وقد تدحرجت المذبحة وبدأت من المنطقة الشرقية في قرى خُزاعة ثم عبسان فبني سهيلا، وصولاً إلى المدينة فالمعسكر وحتى البحر، ثم منطقة القرارة وصولاً إلى مشارف المدينة، ومنطقة الشاعر والنجار حتى مدينة رفح.
ولم يكتف الاحتلال بعمليات القتل والاعدام بل استخدم الطائرات التي كانت تحمل أطناناً من المتفجرات، وتلقي بحممها على الآمنين.
وبعد 9 أيام من المجازر والقصف والقتل عاد الهدوء النسبي الى مناطق خانيونس وأخذ الاهالي يتفقذون القتلى والجرحى، فصُعقوا من حجم المصيبة وهول الكارثة التي حلت بأبنائهم.
وعن هذه اللحظة يقول أبو فريد: "الدماء في كل مكان، على الأرض وبالطرقات والجدران، وجثث متناثرة هنا وهناك، بعضهم لم يتعرف ذووه عليه للتشوهات التي حدثت نتيجة تركها أكثر من ثلاثة أيام مما أصابها العفن".
ويذكر بأنه توجه الى منطقة القلعة وكانت عشرات الجثث أمام جدار القلعة ملقاة على الأرض, وكل عائلة أخذت تبحث عن أبنائها وسط صرخات العويل والبكاء, وذهبنا بالشهداء الى المقبرة مباشرة.
بلدية خانيونس أحيت ذكرى المذبحة وأقامت مؤتمراً صحفياً واعتصاماً أمام القلعة، كما سيَّرت موكباً للسيارات في شوارع المحافظة لإحياء الذكرى.
بدوره؛ طالب وزير الحكم المحلي ورئيس بلدية خانيونس السابق محمد الفرا جميع المنظمات الحقوقية العالمية بمحاكمة المجرمين من رموز وقادة الاحتلال الذين اقترفوا المذبحة.
وشكر الفرا في حديثه لـ "الرسالة نت" الشعب المصري الذي قدم الدم والشهداء من أجل قضية فلسطين, عاداً ذلك بمنزلة "رسالة للأمة العربية والاسلامية أن القدس والمسجد الأقصى هي ملك لكل المسلمين وليس من حق أي منا أن يفرط بذرة تراب منها, وواجب على كل مسلم أن يساهم من اجل تحرير فلسطين".
وحسب الفرا فإن عدداً من الدراسات وثَّقت أعداد الشهداء, لافتا الى أن الحديث يدور عن ألف ضحية من ضحايا الشعب الفلسطيني قدمتهم محافظة خانيونس، وجرى توثيق ما نحو 550 حتى هذه اللحظة, ولدى الجهات المصرية حديث عن ألفين من الجنود المصريين الذين ذُبِحوا في محافظة خانيونس وامتزج يومها الدم المصري بالدم الفلسطيني.
وأشار الفرا إلى أن جهاتٍ مختصة وجَّهت مراسلات للعديد من الجهات الحقوقية العالمية من أجل محاكمة الاحتلال على المذبحة, إلا أنهم حتى اللحظة لم يلحظوا أي حراك ولم يتلقوا أي رد, واصفا المنظمات بأنها تكيل بمكيالين.
ورغم المناظر المفجعة التي عاينها أبو فريد في تلك المذبحة وما تبعها من جرائم، لم يتزحزح يقينه وايمانه بأن المقاومة هي السبيل الوحيد لاسترجاع فلسطين والرد على جرائم الاحتلال.
ولم يخف امتعاضه من المفاوضات والحل السلمي للقضية وقال: "لم نجنِ من وراء المفاوضات شيئا ولم تُرجِع لنا مترا واحدا".
استجمع أبو فريد قواه في ختام حديثه لـ "الرسالة نت" واستند على عكازه وأخذ يردد "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".