قائمة الموقع

جبروت المال والعادات يحرم فتيات من ليلة العمر

2010-01-19T17:29:00+02:00

غزة / لميس الهمص

كثيرا ما داعب حلم الزواج، والفستان الأبيض خيالها، لكن راتبها المرتفع أصبح حبلا يلتف حول رقبتها... "أمل" لم تخف علمها بأن فرصتها في الزواج من شاب أعزب أصبحت شبه مستحلية بعد أن بلغت الثلاثين من عمرها ، وهي تقول :تبرعت براتبي شهريا لوالدي لمساعدته في مصروف عائلتي الكبيرة إلا أنني لم أكن أعلم أن ذلك سيكون سببا في رفضه لكل من يتقدم لخطبتي وإن كان لا يعلن ذلك إلا أن رفضه المتكرر لكل من يطرق بيتنا خاطبا يظهر ذلك بجلاء وخصوصا بعد ترديده باستمرار "أنا أحق من الغريب".

تعددت الأسباب

ظاهرة "عضل الفتيات" كما تسمى بالإسلام نهى عنها القرآن في قوله تعالى "ولا تعضلوهن" لما تسببه من ارتفاع نسبة العنوسة داخل المجتمع وما يترتب عليها من أمراض نفسية واجتماعية .

حال الفتاة هند لم يختلف كثيرا عن أمل فتتحدث عن قصتها بأن والدها انطوائي ولا يختلط بالناس إلا للحاجة الماسة فهو كثير التشكك والتوجس من كون المجتمع يحب المشاكل ويقول "الناس شوك" فيظن بعدم تزويجها هي وشقيقتها اللتين تجاوزت أعمارهما 26 عاما بأنه يقيهما من غدر الناس.

وتتابع: كثيرا ما كان يتقدم لنا  أزواج مناسبون من حيث العمر والدين والوضع المادي إلا أن خوف والدي كان يدفعه دائما للرفض ، فكان يضع كل العيوب في الشخص المتقدم أما بحجة أن عائلته "شرانية" أو أن له قريب "مشكلجي".

هند ذكرت أن قطار العمر يجري أمامها وهي لا تدري ما تفعل خصوصا أن إدخال بعض أقاربها لحل المشكلة باء بالفشل في إقناع والدها الذي يردد دائما "أن حر ببناتي" ، مشيرة إلى أن هذا الموضوع كثيرا ما كان سبب خلافا لا ينتهي بين والديها.

أما غادة  فيختلف سبب رفض والدها فقالت مضى من عمري 35 عاما وأنا انتظر "عريس العائلة" ليتقدم لخطبتي، فغنى والدي كان سببا لرفضه تزويجي من أي عائلة أخرى حتى لا يذهب ميراثي خارجا فهو صاحب عقلية قبلية ومصاب بالجشع.

وتضيف: كثيرا ما أتمنى أن أكون بيتي المستقل كالعديد من صديقاتي اللواتي أصبح لديهن عدد كبير من الأبناء لكن عقلية عائلتي تحول دون ذلك.

ولعل أغرب القصص التي واجهت الرسالة هي لتسع أخوات أكبرهن بلغت من العمر 40 عاما ولم يسمح والدهن لأي منهن بالزواج بل هو يرفض العريس المتقدم من عند الباب بقوله ليس لدي فتيات.

وتذكر إحداهن أنها لا تعلم سبب رفض والدها لتزويجهن بل تستغرب كذلك موقف والدتها المؤيد له وبحسبها فإنه لا يسمح لهن بالعمل ولا الزواج بل وفي أحسن الظروف سمح لبعضهن بالدراسة ، مع ما يعانينه من منغصات ومزاجية في التصرف معهن وحرمانهن في أحيان كثيرة من تقديم الامتحانات .

مفاسد دينية واجتماعية

من جهته ذكر الدكتور نسيم ياسين المحاضر بقسم الشريعة بالجامعة الإسلامية أن تأخير زواج الفتيات هو تجن على حق من حقوقهن مبينا أن الشرع يوجب على والد الفتاة تأديبها وتربيتها ومن ثم أعطائها حقها بالزواج .

وأوضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال":إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" فإذا توفر شرط الأخلاق والتدين لا يجوز منع الفتاة من الزواج لما يترتب على ذلك من فساد في المجتمع .

وأشار إلى أن الأصل منح الفتاة حقها في ميراثها وراتبها ، وألا يكون ذلك عقوقا من الآباء بأبنائهم، ناصحا الفتاة التلطف مع والدها ومنحه جزءا من راتبها برا به، وليمنحها هو ما تريده من حقوق .

وطالب ياسين الفتاة عدم التحرج في إبلاغ أعمامها أو أحد أقاربها لإقناع والدها أو حتى التواصل مع أحد العلماء ليبين الحكم الشرعي في ذلك للوالد، ذاكرا أن حديث الرسول :"أنت ومالك لأبيك "يفسره الكثيرون بشكل خاطئ فلا يتوجب على الابن أو حتى الابنة أعطاء الوالد كل أموالهما فلكل ذمة مالية مستقلة في الشرع.

وبين أن كل فرد له حقوقه المالية فلا يجوز للأب أن يتصرف في مال ابنه وإلا أثم ، مطالبا الأبناء كفاية آبائهم والإنفاق عليهم إذا كانوا محتاجين ردا لجميلهم وبرا بهم.

أما الدكتور وليد شبير مختص علم الاجتماع قال: إن تأخير زواج الفتيات يترتب عليه مشاكل اجتماعية كبيرة  كارتكاب الفاحشة والصراعات بين الفتاة وأسرتها مما قد يدخل البغيضة داخل العائلة .

وأوضح إن تأخير زواج الفتاة يحرمها من فرص قد لا تمنح لها بعد كبرها في السن ، ناصحا الفتاه بأن تتحرك ولا تبقى صامتة إما بالتحدث مع من لهم تأثير على والدها من أصدقائه أو أقاربه ، واصفا ذلك التصرف بأنه ليس عيبا بل فيه فائدة للطرفين.

وطالب شبير الفتيات بالصبر على آبائهن وألا يكون ذلك سبب في العقوق فبالتعامل الحسن تتغير الأمور وتتبدل لما فيه صالحها وصالح الأسرة .

يمكنها رفع قضية

أما د.حسن الجوجو رئيس مجلس القضاء الأعلى في غزة قال:"من الناحية الشرعية والقانونية، إذا جاء الفتاة سن الزواج المتعارف عليه في البلد الذي تقطنه فيجب عليها أن تتزوج، أما إذا اعترض أهلها وامتنعوا عن تزويجها فهو إثم عظيم ومعصية لله ورسوله، ومخالفة شرعية واضحة.

وأكد على ضرورة تزويجها إذا توفرت لديها شروط الزواج، وكانت خالية من أي موانع شرعية، وإن كان الخاطب فقيراً، لقوله تعالى: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم)، والآية فيها أمر وهو للوجوب ولابد من الاستجابة.

وبين أن الولي الشرعي شرط في إتمام عقد الزواج، فإذا كان والد الفتاة متوفى تنتقل الولاية إلى الشقيق، قائلاً: "وفي حال امتناع الولي عن تزويجها فالإجراء القانوني أن تلجأ إلى المحكمة الشرعية وتخبرها بامتناع أهلها عن تزويجها، ومن ثم تقوم المحكمة بإخبار وليها الشرعي واستدعائه ومعرفة سبب الامتناع".

وتابع د. الجوجو: "فإذا أصر الولي على موقفه، للفتاة أن ترفع قضية عليه وإذا تحقق القاضي من أن الخاطب كفؤا لها يقوم بتزويجها بحكم ولايته الشرعية ويضرب بعرض الحائط قضية الولي، وهذا الأمر نعمل به في المحاكم الشرعية في غزة، فلسنا بحاجة إلى ولي يعتبر بأن تزويج ابنته فيه تعسف وفيه ظلم لها".

ولفت إلى حدوث حالات مشابهة في قطاع غزة منذ وقت قريب، شهدت تزويج فتيات بحكم الولي الشرعي لامتناع والدها عن تزويجها، وأضاف: "تلك المشكلات نعالجها بالقضاء الشرعي فنبدأ مع الولي بالود فإذا انشرح صدره وعاد إلى رشده يقوم بتزويجها وإذا أصر على ذلك يتدخل القضاء فيزوجها".

وتبقى تلك الفتيات ضحية إما للمال أو العادات والتقاليد في انتظار من يخلصهن من ظلم الآباء.

 

اخبار ذات صلة