وكأن ذات المشهد يتكرر عندما ترى الأرض التي باتت هامدةً تهتز بفعل المطر, فتعود فيها الحياة من جديد, بعد أن اكتوت بنيران القحل الهمجي, هي ذات الصورة تتكرر -في ظل هطول المطر- عندما يولد "مطر" في يوم استشهاد أخيه "مطر".
"مطر أبو العطا" هو ذلك الشاب ذو العمر الوردي الذي اغتالته القذائف الإسرائيلية بغزة, كما أنه ذاته "مطر" الطفل الذي صرخ عندما خرج من بطن أمه، بكاء على أخيه الشهيد.
وفي شهره الثامن وهو في بطن أمه رفض الصغير "مطر" البقاء لشهر آخر داخل الدفء والحنان كعادة غيره من أقرانه, وكأنه جاء ليواسي أمه الثكلى.
مولود جديد
ورزقت والدة الشهيد مطر أبو العطا بمولود جديد بعد أقل من ساعتين من استشهاد ابنها، ما دفعها لإطلاق ذات الاسم على الطفل الصغير.
وتقول أم محمد عمة الطفل مطر لمراسل "الرسالة نت" :" سبحان الله , يقطع من طرف يوصل من طرف آخر, الحمد لله أن مطر استشهد والحمد لله على المولود الجديد, لقد كان يوما صعبا على أمه التي ذهبت لميلاد طفلها الجديد في الوقت الذي استشهد فيه ابنها".
وحاولت "الرسالة نت" الحديث إلى والدة الشهيد والوليد مطر أبو العطا إلا أن وضعها الصحي والنفسي منعها من الإدلاء بأي تصريح وفق أهل الشهيد.
فرح يلفه الحزن
وأما منزلهم شرق مدينة غزة كان الفرح يلتف حزناً، فالناس باتوا محتارين " هل يعزون في الشهيد أم يهنئون بالمولود الجديد الذي يحمل نفس الاسم"؟.
ويقول أبو خالد عباس (50 عاماً) الذي حضر بيت عزاء الشهيد مطر لـ"الرسالة نت" :"هذه منحة ربانية للعائلة حيث أن أمه ولدته بعد وقت قليل من استشهاد ابنها, ليخفف الله عنها, لكن العجيب في الأمر أننا محتارون هل نعزي والد الشهيد أم نهنئه بالطفل الصغير".
وأشار إلى أن الحزن يلف المكان باستشهاد مطر الذي كان في مقتبل العمر, لأن والده متعلق بابنه الشهيد بشكل كبير, خاصة أنه البكر له.
ولفت إلى أنه كان يلاحظ مدى قرب الشهيد مطر من والده ومرافقته له في الكثير من الزيارات والخروج لشراء الحاجيات.
وكان الشهيد مطر أبو العطا ضمن مجموعة من المواطنين هبّت لإنقاذ مصابين سقطوا في قصف إسرائيلي على منطقة تل المنطار شرق قطاع غزة فباغتتهم الدبابات الإسرائيلية بعدد من القذائف ما أدى لاستشهادهم على الفور.
لحظات صعبة
ويقف عماد أبو عطا "والد الشهيد" في بيت عزاء ابنه، وشحوب الحزن تظهر على وجهه, يستقبل المعزين الذين يصبرونه بتذكيره بهبة الله له طفل جديد بنفس الاسم.
ويقول أبو العطا (46 عاماً) لمراسل "الرسالة نت" :" كنت في عملي لحظة سماعي بالقصف فانتابني قلق عندما سمعت أنه في منطقة تل المنطار, وحينها توجهت مسرعاً فسمعت أن ابني مطر نقل مصاباً للمستشفى, لكن الصدمة كانت عندما احتضنني أخي وأخبرني بأن الله قد أخذ وديعته".
وعن سبب تواجد ابنه في المكان قال أبو العطا :" ابني متعاد على لعب كرة القدم مع أصحابه في المنطقة, وحينما يحدث قصف يذهب لإنقاذ المصابين لكن الاحتلال في هذه المرة قصف المسعفين فكان ضمن الشهداء".
وحول شعوره بفقدان ابنه البكر وما وهبه الله تعالى من طفل جديد في ذات الوقت قال :" الشعور صعب ولا يوصف لأن فقد الابن وخاصة الكبير يحزن كثيراً ولا يمكن لأي شيء أن يعوضنا عن مطر الكبير, لكن الحمد لله فله ما أخد وله ما أعطى".
وأشار إلى أن الكثير من الآمال كان يبنيها لابنه الشهيد مطر من إكمال الدراسة ودخول الجامعة وتزويجه ورؤية أبناءه, مستدركاً بأن كل شيء بأمر الله.
وطالب والد الشهيد المقاومة الفلسطينية بالانتقام لدماء الشهداء مخاطباً إياهم :" دماء أبنائنا ليست رخيصة, وعليكم أن تذيقوا الاحتلال والمستوطنين جزاء جرائمهم وقصفهم".