بعد ان انجلى دخان معركة حجارة السجيل بانتصارها على عمود السماء, جاء وقت تقييم نتائج المواجهة واستخلاص العبر والدروس لما مثلته هذه المواجهة من علامة فارقة في تاريخ الصراع العربي (الإسرائيلي).
وقبل قياس معايير الربح والخسارة بين المقاومة والاحتلال يجب مراعاة موازين القوى العسكرية والاقتصادية والسياسية, ويكفي ان يكون ابرز عنوان لانتصار المقاومة انها كسرت كل المحرمات (الإسرائيلية) واخترقت الخطوط الحمر على الصعيد العسكري والامني والسياسي.
وفي تقييم سريع وأولي لمكاسب المقاومة وخسائر الاحتلال يمكن اجمالها على النحو التالي:
مكاسب المقاومة
- حققت المقاومة انجازات عسكرية تاريخية باستهدافها مدنا (إسرائيلية) تقع في عمق الكيان (تل أبيب) –والقدس) لأول مرة واستطاعت ان تهدد سلاح الجو (الإسرائيلي) وسلاح البحرية ولو بشكل محدود.
- أدارت المقاومة المواجهة مع الاحتلال بثبات واستطاعت ان تتحكم بسير المعركة بطريقة اربكت العدو وشكل عنصر المفاجأة عاملا اساسيا في ضرب معنويات الجبهة الداخلية.
وساهم التنسيق بين اجنحة المقاومة في قرار الحرب وقرار التهدئة بتصليب الجبهة الفلسطينية في غزة ما يفتح الابواب مشرعة لرفع درجة التعاون وانهاء حالة العشوائية والتعامل بردة فعل, الذي سيمنح المقاومة هامشا افضل للمناورة.
- شهد العدو بقدرات المقاومة على التخطيط والاستفادة من دروس عدوان 2008-2009 ما يعني ان هناك مؤسسة عسكرية مثل كتائب القسام تعمل وفق اليات وانظمة تضاهي عمل جيوش, حيث ستسعى الى اعادة تقييم وتطوير قدراتها بشكل افضل بناء على نتائج المعركة.
- رفعت المقاومة رصيدها على المستوى الشعبي الفلسطيني والعربي والدولي واكدت على نجاح خيارها مقابل فشل مشروع التسوية, وهو ما اقر به حتى اصحاب المشروع.
- اثبتت حماس قدرتها بشكل واقعي وعملي الجمع بين خيار المقاومة والسلطة وقدمت نموذجا حيا في المعركة على استثمار السلطة كجزء رئيس من جبهة المقاومة وهي معادلة كانت محل جدل وشكوك.
- مرة اخرى تخوض حماس مفاوضات مع الاحتلال بطريقة جديدة لم يعهدها - بعد مفاوضات صفقة وفاء الاحرار- وقد نجحت حماس والجهاد في تغيير معادلة التفاوض الفلسطينية هذه المرة على قاعدة المقاومة, ومن خلال امتلاك اوراق قوة وتحت نيران الصواريخ, وهو مسار جديد يمكن ان يرسم استراتيجية المشهد الفلسطيني مستقبلا في طريقة التفاوض مع الاحتلال.
- كسرت غزة حصارها هذه المرة بدمها ومقاومتها من خلال تبادل الردع الذي فرض شروطا جديدة ظهرت في بنود اتفاق التهدئة, واجبرت القوى الإقليمية والدولية تغيير قواعد اللعبة من الان وصاعدا, وانه لن يكون هناك هدوء في المنطقة إذا لم تنعم غزة بحريتها والحد الادنى من حقوق اهلها.
- استطاعت المقاومة ان تستثمر اجواء الربيع العربي وتربط غزة ومعركتها مع ثوراتها وتفرض نفسها في الساحة العربية وهو ما ترجم في الحراك لرؤساء الخارجية العرب وزعماء في المنطقة كما اعادت غزة لمصر دورها الطليعي وهو ما ظهر في مواقف القاهرة التي مثلت تحولا مهما في المنطقة.
- فرضت المقاومة حضورها على المجتمع الدولي الذي اذعن لدورها وظهر ذلك من خلال التحرك الامريكي – رغم انحيازه الكامل للاحتلال- لكنه تعاطى مع المقاومة في غزة على انها حجر زاوية في الخارطة "الجيوسياسية" للمنطقة بعد الربيع العربي.
خسائر الاحتلال
- خرج الاحتلال في حملة عسكرية وسياسية وانتخابية ضد غزة تحت عنوان استعادة الردع الذي تآكل بعد 4 اعوام من "الرصاص المصبوب" فاذا به يعود بتهديد لا يقتصر على بلدات ما يسميها (غلاف غزة ) بل فقد الردع في عمق الكيان وانكسرت خطوطه الحمراء, ومحرماته ما سيترك اثرا بعيد المدى على مستقبل الصراع ويعيد النقاش في الكيان حول الخطر الوجودي لدولته.
- كشفت الحرب نقاط ضعف الكيان على صعيد القوة العسكرية والجبهة الداخلية, وتنازله امام الصمود السياسي ما سيجعل اعداء اخرين الى -جانب المقاومة الفلسطينية- مثل حزب الله وايران يستفيدون من هذه الثغرات في أية مواجهة مستقبلية.
- الجرائم التي ارتكبها الاحتلال حولت بنك اهدافه الى بنك دم، الامر الذي يفتح الباب على مصراعيه الى ملاحقة قيادات الكيان في المحافل القانونية والقضائية, الى جانب زيادة عزلته في المجتمع الدولي.
- نتائج المواجهة ستظهر ايضا على الحلبة السياسية والحزبية في الكيان خصوصا على ابواب الانتخابات في فبراير القادم وربما يدفع بنيامين نتنياهو وشريكه في الحكومة افيغدور ليبرمان ثمن المغامرة العسكرية غير المحسوبة, وقد تتطور النتائج الى تشكيل لجان تحقيق على غرار لجنة "فيونغراد".
- الخسائر الاقتصادية التي منيت بها دولة الاحتلال على المدى القريب من خلال تكاليف الحرب الباهظة من جانب ونتيجة الشلل الذي اصاب الكيان بالكامل نتيجة اتساع نطاق تأثير صواريخ المقاومة حتى في ظل حصول (إسرائيل) على دعم وتعويض امريكي, وستمتد الخسائر الاقتصادية على المدى البعيد من خلال هروب رؤوس الاموال وتراجع الاستثمارات نتيجة الواقع الجديد الذي فرضته المقاومة في حال وقوع مواجهة عسكرية مستقبلية, فيما ستواجه ميزانية الدولة ازمات متتابعة بسبب هذا التراجع نظرا لزيادة الاعتمادات المالية لجيش الاحتلال بحجة رفع قدراته العسكرية نتيجة تعاظم الاخطار التي تواجه الدولة على ضوء نتائج العدوان على غزة.
وتبقى توابع خسائر الكيان على المدى البعيد في ظل تغير الواقع الدولي والاقليمي على ضوء نتائج الربيع العربي والتي بدت تظهر ثمارها في التعاطي مع العدوان على غزة فيما تبدوا اسهم المقاومة مرشحة للارتفاع في المنطقة على ضوء النتائج التي حققتها في معركة (حجارة السجيل) مما يعيد مفهوم الخطر الوجودي لـ(إسرائيل).