غزة / ديانا طبيل
لاشيء قد يلون سماء غزة على أعتاب رمضان إلا طقوسها ومواسمها الرمضانية الحافلة ، فالنزهة اليومية بسوق الزاوية احد الطقوس الغزية التي لا يمكن تجاوزها، حيث تختلط أصوات البائعين، بينما تتزين أبواب المحلات بالبضائع المختلفة التي تعطى رمضان انطباعاً خاصاً فالسكاكر وحبات الملبس الملونة، ومكسرات اللوز والفستق و المخللات و عشبه الخروب والسوس وكافة حاجيات رمضان تترامى أمام عينيك .
النظر إلى قباب الدكاكين ومناظرها الأصيلة تجعلك تلمس عراقة المكان، وتشتم عبق تاريخه ، في حين تأسرك البضائع بروعة تنظيمها بطريقة فاتحة للشهية ، وداعية للشراء .
"أبو مدين الغوث "
فما أن تحل الأيام الأولى من الشهر الفضيل حتى تجد مئات من الغزيين داخل سوق الزاوية احد أشهر أسواق غزة وأقدمها إذ يقع من بداية أطراف حي الدرج وتترامى أطرافه وزواياه حتى ميدان فلسطين والمسجد العمري الكبير وشارع عمر المختار، ويرجع أهل السوق تاريخه إلى عصر المماليك أي إلى قرابة 8 قرون ، ويرجعون التسمية إلى مجموعة من الزوايا والأركان التي يتميز بها وخاصة إلى مسجد صغير كان يتوسط السوق يعرف بزاوية الهنود وكان يرتاده الهنود في عصر الدولة العثمانية .
وبحسب المؤرخ سليم المبيض فإن أصل التسمية يعود إلى شخص متصوف كان يدعى " أبو مدين الغوث " والذي كان يأخذ من احد جنبات السوق مكاناً له لا يبرحه ، مؤكداً أن هذا السوق بما يحويه من طرقات وأماكن وزوايا احد معالم غزة القديمة والهامة والتي لا زالت تربط الماضي بالحاضر في صورة تناغمية غاية في الروعة .
أياً كان سبب التسمية فان المؤكد أن سوق الزاوية مهبط المشترين يجدون به كل ما تتمناه العين من بضائع ابتداء من الفاكهة والخضار والسكاكر والحلويات المختلفة ولوازم البيوت والعطارة والاجبان والأدوات المنزلية واللحوم والدواجن ومحلات الإسكافية .
الحاج "محمد السيقلي" 60عاما " ،يتواجد في سوق الزاوية منذ 40عاماً وبشكل يومي يقف أمام محله المتواضع ابتسامته العريضة تخطف أنظار المتسوقين يجذبهم لبضاعته ذات الأنواع المختلفة من العطارة، كالميرمية والكستناء والشاي والزعتر، والخروب وعرق السوس .
يقول لـ " الرسالة ": لسوق الزاوية أهمية خاصة ومواسم كثيرة فمن المعروف أن الأيام التي تصادف فيها رواتب الموظفين يكون السوق مزدحماً للغاية لذا أطلق عليه الكثيرون سوق الموظفين .
أعرق الأسواق
أما في شهر رمضان فان كافة سكان المدينة يأتون إليه طلباً لحاجيات رمضان التي تتواجد بكثرة في محلات السوق ويحرص أصحاب المحلات على عرض بضائعهم بشكل ملفت للنظر يشجع على الشراء ، مما جعل العديد منهم يأتي إلى السوق للتمتع بمنظر البضائع .
في حين يقول الحاج عبد الله سليم " 65 عاما " يعمل في سوق الزاوية منذ بداية حياته: يعد سوق الزاوية من أكبر وأعرق الأسواق في غزة رغم كل ما يعتريه من تدهور وانخفاض في نسبة المبيعات تصل أحياناً إلى 70%، مؤكداً أن هذه النسبة لن تمحي سنوات الازدهار التي عاشها السوق وتجاره لعشرات السنين في الماضي.
ويتابع: رغم الركود الاقتصادي وقلة البضائع إلا أن سوق الزاوية يوفر كل ما تحتاجه الأسرة بأسعار في متناول الجميع، فمن الفواكه والخضروات إلى الأسماك واللحوم والمشروبات الشعبية والأعشاب والحلويات المتنوعة، وصولاً إلى ألعاب الأطفال.
السير داخل السوق فى أيام رمضان لابد أن يأخذك إلى بسطة أبو حازم شعبان " 45عاماً " حيث تجد "التمر هندي" ، "السوس" ، "الخروب" ، "الكركديه" ، وحول ذلك يحدثنا شعبان : "الخروب" عدة أنواع، نوع تركي، وآخر يُزرع في عزوم في الضفة الغربية، وحلاوته تفوق حلاوة التركي ، لذلك فإنه يوفر كثيراً من السكر أثناء التحضير، ولا يحتاج إلى صبغة.
وعن طريقة عمل "الخروب" يقول: يُنقع من الصبح إلى العصر، وبعد ذلك يُفرك باليد ويُحلّى ويُبرّد، أما إذا كنت مستعجلاً فيقول: بإمكانك أن تغلي الماء، وتضع الخروب، ثم تفركه وتحليه، وتتناوله، وتقدمه لضيوفك بارداً ، أما "السوس" فيوضع في (قطعة قماش) ويوضع في "طنجرة"، ويبقى حلو دون سكر، ومثله التمر هندي.
قطايف عصافير
ويتابع: رمضان يفرض على المتواجدين بالسوق شراء الخروب أو عرق السوس لذا تشهد محلات بيع الخروب قبل أذان المغرب إقبالا واسعا من المواطنين وكذلك محلات بيع القطايف والحمص والكبة والفلافل والمسكرات .
أما الحلويات فلها مذاق خاص في شهر رمضان، ولا يمكن أن يستغني البيت الفلسطيني عنها، وعميدة هذه الحلويات التي لا يخلو بيت منها هي "القطايف" ، يقول نادر ضبان - صاحب محل لبيع "القطايف" - الذي حدثنا على الرغم من انشغاله بإعدادها، أن علاقة الناس بالحلويات في رمضان علاقة قوية جدا ً مضيفاً : من عادات الغزيين الإكثار من الحلويات، وخاصة "القطايف"، فهي مرتبطة فقط بشهر رمضان؛ لأن الناس لا تطلبها إلا في هذا الشهر.
و يقول ضبان الذي ورث مهنته عن أبيه وجده- إذ أن تاريخهم معها جاوز الثمانين عاماً-: إن القطايف تتكون من سميد وكربونة وخميرة وطحين، وتعجن عجينة، ثم تُصب على بلاطة حديد، وهي ذات مقاسات مختلفة "كبير ووسط وصغير يرغبه أهالي غزة ويطلقون عليه اسم " قطايف عصافير " ، أما عن الحشوات فهي مختلفة البعض يحشيه بالتمر الصافي وهناك من يحشونه بالمكسرات والجوز ومنذ سنوات قليلة أصبح الكثير من الناس يحشونه باللبن والقشدة والجوزهند والجبنة الحلوة .
وأوضح ضبان أنه يشعر بسعادة بالغة وهو يعد القطايف ؛ إذ إنها تُعدّ جزءاً من تراث الشعب الفلسطيني وجزء من طقوس مهنته التي لا تنشط إلا بحلول الشهر الكريم ، مشيراً إلى أنه يعد منها في أول أسبوع من رمضان كمية كبيرة؛ لأن الإقبال عليها يكون كبيراً جداً؛ إذ يتدافع الناس لشرائها في كل وقت، وخاصة بعد صلاة العصر، ثم يخف الإقبال عليها في آخر الشهر .