ساعات قلائل وتنطلق "زغرودة الفرحة"، التي كانت الفتاة الواعدة "هدى فضل نعيم" تنتظر بشوق سماعها، وقد أخذت تُجهِّز أهازيج طرب للحفل الاستثنائي بحياتها "الخطوبة".
وسلفاً، كانت هدى قد اطمأنت لوجود رفيقة الدرب "الكاميرا" وجهوزيتها لتوثيق الفرحة، ولم تكن تدري أن ما ستوثقه لاحقاً قد يكون أشلاء ودماء أطفال.
والشابة هدى، مصورة صحفية واعدة، لديها الكثير من الأعمال التصويرية التي تجسد من خلالها معاناة وصمود الشعب الفلسطيني، إضافة إلى أنها ناشطة في المجال الشبابي.
جلست هدى ترقب عقارب الساعة، تخاطبها بعيناها "أسرعي أسرعي"، وكأنها كانت تشعر بحادث جلل قد يدفعها لـ "ركل" الفرحة؛ إكراماً لمن قد يرحل.
وفي غمرة "التفكير وانشغال البال" وصلت رسالة إلى هاتف هدى، نصها كان "إسرائيل تغتال قائد القسام (الجعبري)".
بقية القصة ترويها هدى لـ "الرسالة نت"، وتقول: "عندما قرأت الرسالة، قررت سريعاً إلغاء حفل الخطوبة إكراماً لهذا الرجل، وسارعت بالاتصال على كل المدعوين، وخاطبت الجميع عبر صفحتي على الفيس بوك، بأني قررت تأجيل الحفل، وشاركني خطيبي في هذا القرار بكل قوة".
"حينما نظرت لحجم وهول العدوان من اللحظة الأولى، شعرت بأن ثمة رسالة لا بد من أدائها، فأخذت الكاميرا، ونزلت لتوثيق العدوان ونشر صور الجرائم البشعة التي ارتكبها الاحتلال". تقول هدى.
وأضافت: "كان قراراً صعباً بالنسبة لوالدي وخطيبي؛ لكنهما تنازلا أمام إصراري الشديد، ووقف والدي بجانبي وأوصلني بنفسه إلى المشفى، لامست في ملامح والدي الخوف بعد مشاهدته لمنظر الأشلاء وحجم التصعيد؛ لكنه تشجع أمام إصراري".
تصف هدى شعور خطيبها من موقفها "الصارم"، وتقول: "خطيبي شاب فلسطيني مثقف واعي وعاقل، وكان رده الأول لي: (إذا رأيت أنك تستطيعين أن تساعدي الناس، وتخففي من آلامهم وتفضحي جرائم الاحتلال فأفعلى)".
غمار الحرب
وعن تفاصيل التجربة في الحرب، تروي هدى التفاصيل، قائلة: "هي أول حرب أرقبها عن قرب.. عايشتها لحظة بلحظة على غرار الحرب السابقة، التي ودعت بها شقيقي، فكان المشهد الوحيد الذي لم أره على شاشات التفلزة بل واقعاً أمامي".
وتضيف: "لم يخطر ببالي يوماً أن أكون من الشجاعة بمكان، أن اقترب من ثلاجات الموتى وصور الأشلاء فضلا أن أراها والتقط صورها واحمل الطفل الشهيد لأتوجه به أليها ، اعتقد إنها مواقف لن تنسى".
وتسترسل بالقول: "ظهرت بشاعة الحرب منذ بدايتها، فاغتيال قادة عظام كالجعبري، فضلا عن شخص أعطاني ومدني بالكثير من المواد في عملي المهني كالشهيد محمد الهمص، لا شك أنها وقائع كشفت الوجه القبيح للاحتلال".
وتستذكر هدى أصعب المواقف التي واجهتها في تلك التجربة فتقول: "منظر الطفولة التي شوهتها صواريخ الاحتلال من آل الدلو وغيرها.. الأجساد المحروقة والأشلاء المنثورة، كلها مشاهد كفيلة لأي شخص قوى أن يهرب من المواجهة".
وتواصل: "استهداف زملائنا الصحفيين كالزميل جودت حميد والصحفيين محمود الكومي وحسام سلامة وقد رأيتهما قبل مغادرتهم بوقت قليل، إضافة للطفل محمد عاشور الذي يقطن بالجوار من بيتنا، استهدافهم شكل صدمة كبيرة بالنسبة لي".
وعن طبيعة الظروف التي كانت تعمل بها، تقول هدى: "كنت أخرج من الساعة 7 صباحاً وأعود 8 مساءً، وفي كل مرة كنا نودع أهلنا وزملائنا، لأننا نتوقع الشهادة في كل لحظة، خاصة في اليومين الآخرين، حيث كان القصف عشوائي، والاستهداف تركز على الإعلاميين ورجال الإسعاف" .
الثمرة والرسالة
تؤكد هدى بأن هذه التجربة أضافت لها الكثير في حياتها، وتقول: "كانت تجربة قوية وصعبة، غيرت الكثير من شخصيتي، فأصبحت أكثر إصراراً على المضي قدماً في مجال الإعلام والتصوير لفضح الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية".
وتضيف: "على الصعيد الإنساني أصبحت أحمل هم كل طفل، ودموع كل أم، وأضحيت أكثر حقداً على الاحتلال".
وتشير هدى إلى أن والدها كان فخوراً بها، وتختم حديثها بالقول: "الموت حق علينا، لذلك علينا توجيه طاقتنا وتقديم ما نستطيع لأبناء شعبنا في المحن التي يتعرض لها؛ لدعم صموده وتمسكه بقضيته".