انطلاقة نوعية سيشهدها قطاع غزة لحركة "حماس" التي مرت خلال 25 عاما من عمرها بمراحل عديدة ومحطات مفصلية مهمة كان أبرزها الانتصار الكبير الذي حققته في معركة حجارة السجيل ضد الاحتلال (الإسرائيلي) الشهر الماضي.
هذا الانتصار توِّج بزيارة تاريخية لرئيس مكتبها السياسي خالد مشعل إلى غزة لأول مرة رغم وجوده على رأس الحركة لأكثر من ستة عشر عاما.
مشعل الذي وصل غزة برفقة عدد من أعضاء المكتب السياسي في الخارج ووفود عربية وإسلامية للمشاركة في مهرجان الانطلاقة من المتوقع له أن يكون نجم الاحتفال هذا العام وأن يحمل خطابه عددا من الرؤى السياسية المستقبلية للحركة في الفترة المقبلة.
ويرى المراقبون أن الزيارة تحمل كثيرا من الأبعاد والرسائل السياسية على الصعيدين الفلسطيني والإقليمي.
تتويج الانتصار
وتأتي زيارة مشعل بعد التوصل إلى اتفاق تهدئة بين (إسرائيل) والفصائل الفلسطينية عقب حرب دامية استمرت ثمانية أيام نجحت خلالها المقاومة في قصف عمق الكيان وإمطار البلدات (الإسرائيلية) بالصواريخ.
وأكد المحلل السياسي د. هاني البسوس في الحديث عن الأبعاد السياسية لانطلاقة الحركة هذا العام أن حماس وصلت إلى مستوى سياسي مميز وأنها تحظى بالتفاف وطني وإقليمي حولها, "فقد ساهمت الحرب الأخيرة على غزة في رفع مكانتها كثيرا في المجتمع الفلسطيني وفي المحيط العربي".
وبين البسوس أنه بات واضحا أن الحركة حققت إنجازات كبيرة على الصعيد الأمني والسياسي والعسكري والاقتصادي، "حتى أصبحت من الحركات الإسلامية التي تعتبر قدوة في فلسطين والعالم بعد أن قدمت نموذجا مميزا على كل الأصعدة".
ولفت إلى أن حماس قدمت إنجازات ضخمة ستتوج حاليا بزيارة مشعل لغزة في أجواء احتفالية برفقة وفود عربية ستحضر خصيصا لمهرجان انطلاقة الحركة الذي من المتوقع أن يضم حشدا جماهيريا ضخما.
المحلل السياسي خليل شاهين أكد بدوره أن زيارة مشعل للقطاع تتويج لانتصار المقاومة في غزة واحتفال به, مشيرا إلى أن الحرب الأخيرة أعطت حماس شرعية كبيرة واعترافا شبه دولي بها وبحكمها في غزة.
واعتبر شاهين أن الزيارة تأتي في سياق التحولات السياسية التي حصلت بعد الحرب على غزة والدور المتزايد لحركة حماس على صعيد الاعتراف بشرعيتها إقليميا ودوليا، "لكن هذا الاعتراف يتوقف على القبول بمبدأ التسوية السياسية".
وأضاف: "رؤية مشعل واقعية وتتواءم مع بدايات التحولات السياسية في الحركة والدور الذي يمكن أن تضطلع به في المنظومة السياسية الفلسطينية".
تمثل الشرعية الوطنية
وكانت حماس قد أكدت أنها اتخذت كل الترتيبات الأمنية والسياسية لتسهيل زيارة رئيس مكتبها السياسي الأولى من نوعها إلى قطاع غزة, مستبعدة أن يرتكب الاحتلال أي حماقة باغتيال مشعل أو أعضاء المكتب السياسي المرافقين له رغم إدراكها غدر العدو (الإسرائيلي).
وهنا، اعتبر البسوس أن مشعل يزور غزة في جو من الاطمئنان الأمني الكبير وثقة عالية بالله تعالى أولا، "ثم بالمقاومة التي حققت إنجازات ضخمة بعد الحرب الأخيرة التي توجت باتفاق تهدئة", قائلا: "مشعل مطمئن على أن المقاومة قادرة على ردع قوات الاحتلال في حال أقدم الأخير على ارتكاب أي عمل قد يقلب المشهد السياسي والميداني".
وشدد على وجود تخوف كبير لدى المسؤولين الأمنين من إقدام (إسرائيل) على اغتيال مشعل باعتباره على رأس المكتب السياسي لحماس, منوها إلى أن حضوره لمهرجان الانطلاقة سيؤكد الوحدة الوطنية, "لأن انطلاقة الحركة في هذا العام ستكون انطلاقة لقطار المصالحة التي عطلت فترات طويلة", متوقعا إنجاز الأخيرة قريبا.
وأوضح البسوس أن هذه الزيارة تؤكد أن حماس تمثل الشرعية الوطنية المنتخبة، "وهذا ما أجمع عليه كل من زار غزة خلال الحرب وبعدها, فالحكومة أصبحت محل ثقة الجميع بعد أن نفذت دورا كبيرا على الصعيدين الأمني والسياسي في غزة".
واعتبر زيارة مشعل إعلانا عن نقطة تحول نوعية في تاريخ الحركة التي ستدخل في نوع جديد من العمل السياسي والدبلوماسي, متوقعا أن تقود حماس الشعب الفلسطيني خلال المرحلة المقبلة نحو التحرر والاستقلال، "خاصة أنها تحظى بشعبية كبيرة وأغلبية ساحقة على الأرض".
وبين أن نقطة التحول تأتي ضمن منظومة فلسطينية جديدة ومتكاملة تضم جميع أطياف الشعب، "لكن حماس ستكون صاحبة اليد الكبرى في هذه المنظومة نظرا لقوتها في الشارع الفلسطيني".
أما شاهين فاعتبر قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة منعطفا سياسيا جديدا يجب التعامل معه, "فقد كان النتيجة السياسية الكبرى للحرب على غزة لذلك فإن حماس مطالبة بأن تتعامل مع هذا الخيار".
وقال: "حماس تتسم بقدرة تكتيكية لكن التحول الاستراتيجي الكامل يحتاج إلى بعض الوقت, وخيار الأمم المتحدة يفرض خيار التسوية السياسية فإذا أرادت حماس أن تتعامل مع هذا الخيار سوف تتعامل معه في إطار الدولة الفلسطينية".
وأشار شاهين إلى أنه من الممكن أن تقبل حماس بخيار المقاومة الشعبية المدنية, مضيفا أن أخطر ما في الحرب على غزة تداعياتها ونتائجها السياسية.
وقال: "على المستوى الفلسطيني يجب توظيف هذه التداعيات والنتائج بما يصب في مصلحة القضية". وذكر أنه إذا أرادت حماس أن يكون لها دور رئيسي في المنظومة السياسية الفلسطينية والرئاسة فعليها أن تتحول وأن تكون مقبولة سياسيا على الصعيد العالمي, "وهذا ما بدا واضحا بعد الحرب".
وكان الناطق الرسمي باسم "حماس" د. صلاح البردويل قد أكد أن احتفالات حركته بانطلاقتها هذا العام ستشهد حدثًا تاريخيًّا مختلفًا لمشاركة مشعل في افتتاح هذه الاحتفالات.
وأشار إلى أن الاحتفالات سيحضرها ضيوف فلسطينيون وعرب من دول الربيع العربي وغيرها.