أن تعرف كل شيء عن عدوك أول طريق الانتصار.. أن تحصن مجتمعك من الاختراق بداية طريق الصمود, ولكن أن تعمل في المقابل على اختراق عدوك وضربه في العمق رغم التباين الكبير في الإمكانات فهذا هو التحدي بعينه.
وهي حقيقة أدركتها حركة "حماس" باكرا, فهي تمتعت منذ نشأتها بحس أمني كبير جعلها تتميز في هذا المجال على مدار أكثر من خمسة وعشرين عامًا من مسيرتها.
حماس التي أدركت أهمية العمل الأمني قبل تأسيسها عام 1987 استبقت الإعلان عن انطلاقتها الأولى بعامين، وأنشأت جهاز المجد الأمني الذي كان له دور بارز في حماية الجبهة الداخلية للحركة والمجتمع الفلسطيني بالإضافة إلى جمع المعلومات عن الاحتلال وعملائه.
ويجمع المراقبون على أن الحركة كانت سباقة في المجال الأمني وأدركت أهميته في وقت مبكر, "فهي استطاعت أن ترصد عمل جهاز الاستخبارات الصهيوني الداخلي "الشاباك" وأن تصل لعدد من المعلومات الخاصة به وبعملائه".
جمع المعلومات
وكان لجهاز المجد الأمني دور بارز خاصة خلال الانتفاضة الأولى التي انطلقت الحركة بالتزامن معها، فكان يتمحور عمله حول جمع المعلومات عن العملاء والجواسيس وتجار المخدرات، وجمع المعلومات عن المؤسسات العسكرية لـ(إسرائيل).
وقد نفذ هذا الجهاز عددًا من الأعمال أثناء الانتفاضة وقبلها، كما حارب مظاهر الفساد من تجارة وترويج للحشيش والمخدرات وبيع الخمور وغيرها حتى قبل انطلاقة الحركة وهذا ما يؤكد أن حماس كانت نشطة وتعمل قبل الإعلان الرسمي عنها بسنوات.
"البسوس: حماس توعي المجتمع وتحصينه ضد الاختراق الأمني
"
وقد أسس المحرر يحيى السنوار جهاز الأمن والدعوة (مجد) التابع للإخوان في قطاع غزة عام 1985، وبدأ إعداد ملفات أمنية وأجرى تحقيقا مع عدد من العملاء.
ومع اندلاع الانتفاضة بدأ (مجد) فعاليات نشطة بالتنسيق مع الجهاز العسكري للحركة الذي كان يطلق عليه حينئذ (مجاهدو فلسطين), ولكن قوات الاحتلال اعتقلت السنوار في عام 1988، وحكم عليه بالسجن 450 عاما وقضى غالبيه فترة الاعتقال في العزل الانفرادي قبل أن يفرج عنه في صفقة وفاء الاحرار قبل أكثر من عام.
السنوار أكد في مقابلة سابقة أن جهاز المجد الأمني كان له دور بارز في رصد عمل جهاز الاستخبارات الصهيوني الداخلي "الشاباك" خلال الانتفاضة الأولى, "كما رصد مجد عددا من الاغتيالات والتصفيات لرموز العمل المقاوم التي يقف وراءها الشاباك".
ولفت المحرر إلى أن أهمية هذا الجهاز تنبع من حساسيته في الصراع على فلسطين, موضحا أنه كان له دور بارز في جمع المعلومات عن الاحتلال خاصة زرع العملاء وتجنيدهم.
"السنوار أسس جهاز الأمن (مجد) التابع للإخوان بغزة عام 1985
"
وبين أن تفكيك الجهاز العسكري للحركة مرهون بانتهاء الاحتلال فقط, مشددا في الوقت نفسه على أنهم يدعمون أي توجه للتهدئة على قاعدة وقف العدوان الصهيوني والاستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني.
(إسرائيل) أدركت بدورها أهمية قادة الجهاز الأمني فاعتقلت كل من له علاقة به, وكان أبرزهم روحي مشتهى الذي ساهم في تأسيس هذا الجهاز والذي اعتقلته بعد شهر من رفيقه يحيى بالإضافة إلى الشهيد القائد صلاح شحادة.
وكان لقاء العمالقة شحادة والسنوار ومشتهى في السجن بعدما خططوا لعدد من العمليات داخل زنازينهم.
حرب استنزاف
وتجري بين (إسرائيل) و"حماس" منذ سنوات حرب استنزاف دون هدنة أو استراحات بعيدًا عن أنظار وسائل الإعلام، وتقف في أحد جوانبها المخابرات (الإسرائيلية) العامة "الشاباك" التي تحاول فتح ثغرات في المنظمة والبحث في الظل عن الذين يقدمون مساعدات لها.
أما في الجانب المقابل فيوجد جهاز الأمن الداخلي (منظمة الشاباك الحمساوية) التي تستثمر مجهودات كبيرة من أجل إغلاق هذه الثغرات والكشف عن العملاء.
ويقر المسؤولون عن الجهاز بوجود تفاهم ما بين جهاز الأمن الداخلي وفصائل المقاومة بخصوص سبل معالجة موضوع العملاء, "فالاعتقال والتحقيق جزء من مهمات الجهاز، وذلك من أجل الشفافية".
ومجرد ذكر اسم الجهاز يثير الرعب في نفوس جميع المتعاونين مع الاحتلال خاصة بعد الحملات العديدة التي شنها ضدهم والتي تسببت في ضرب عدد من أذرع الاحتلال بغزة بالإضافة إلى الدور التكاملي ما بينه وبين جهاز الأمن التابع لحماس.
الخبير في الشؤون الأمنية د. هاني البسوس أكد من ناحيته أنه كان لدى حركة حماس منذ بداياتها وعي وتخطيط وإعداد جيد للمواجهة ضد الاحتلال, فهي كانت تريد ولا تزال تنفيذ خططها واستخدام أدوات الكفاح المسلح التي بدأت فيها وإن كانت بسيطة.
"الأمن الداخلي والفصائل يعالجون سويا موضوع العملاء بالقطاع
"
وأوضح البسوس أن حماس اعتمدت منذ بدايتها على منظومة من السلاح بإمكانات بسيطة ومتواضعة لتحفيز المنظومة الأمنية التي بدأت مع انطلاقة الحركة بالتزامن مع بداية الانتفاضة الأولى عام 1987, مبينا أن الحركة أولت الجانب الأمني أهمية كبيرة حتى أصبح لديها منظومة مهمة على صعيد الجانب المادي المتمثل بالأسلحة, "والجانب البشري الذي تمثل في تأهيل عناصرها لجمع المعلومات واختراق الجانب (الإسرائيلي) وضربه في العمق".
واعتبر أن حماس لم تصل للحد المطلوب، "لكنها وصلت بهذا النهج لنقطة مهمة جدا من تواصل الرعب الأمني مع الاحتلال خاصة في مجال جمع المعلومات وتنظيمها وتحليلها", لافتا إلى أن العملين السياسي والعسكري يعتمدان بالدرجة الأولى على المعلومات التي تقدم لهما، "ويتم بناء الرؤية على أساس ذلك".
ولفت البسوس إلى أن الحركة كانت تعلم ضرورة أن يكون لديها عدة أجهزة في هذا الجانب لتغذية قيادتها بكل المعلومات اللازمة، "لذلك أنشأت في وقت مبكر جهاز المجد الأمني, كما حرصت على وجود أشخاص مؤهلين فيه".
وشدد على أنه بعد وصول الحركة للحكم أنشأت جهاز الأمن الداخلي، "وأصبح يجمع كل المعلومات عن العملاء, وقد حقق نجاحا لافتا على هذا الصعيد", مؤكدا أن للحكومة جهاز مستقل تكتيكيا، "وهناك جهاز أمني يتبع للحركة لكن التنسيق بينهما قائم خاصة في وقت الأزمات حين يكون هناك تعاون واضح ودور تكاملي بين الجهازين".
واعتبر البسوس أن حماس عملت طوال سنوات الانتفاضة الأولى على ملف العملاء والتحقيق معهم ومعاقبتهم، "وأحيانا كانت تحاول التفاهم معهم ومحاولة إصلاحهم بالإضافة إلى توعية المجتمع الفلسطيني وتحصينه ضد الاختراق".
وشدد على أن حماس استطاعت اليوم أن تتعامل مع المسألة الأمنية بجدية أكثر وفعالية عالية، "رغم أن هذه المهمة تحتاج عملا دؤوبا وخبرة فنية عالية, لأن الاحتلال يتفنن في زرع العملاء الذين تحاول الحركة متابعتهم وكشفهم واصطيادهم ومنع أي وسيلة لاختراق صفوفها".
واعتبر الخبير في الشؤون الأمنية أن حماس أصبحت أكثر وعيا لطبيعة عمل العملاء والأجهزة التي يستخدمونها, "لذلك بدأت تعتمد إلى جانب العنصر البشري على كثير من الوسائل التكنولوجية وأجهزة الاتصالات الحديثة والتعاون مع المجتمع الفلسطيني وهذا ما منحها قوة كبيرة".
ويبقى وعي الحركة طوال سنوات عمرها الخمسة والعشرين بأهمية الملف الأمني وضرورة العمل على تحصين الجبهة الداخلية وتحقيق الاختراق ضد الاحتلال أهم نقاط القوة التي تحققها خاصة بعد أن ابتدعت طرقا عديدة للوصول إلى عملائه والكشف عن أسراره.