هناك علاقة وثيقة بين نتائج المواجهة الأخيرة بين (إسرائيل) وحركة حماس وبين مخططات (إسرائيل) تجاه كل من إيران وحزب الله، وذلك يرجع للمفاجأة التي فجرتها منظومة " القبة الحديدية "، المضادة للصواريخ؛ التي تمكنت من إسقاط حوالي 80% من الصواريخ التي أطلقت من قطاع غزة واستهدفت بشكل أساسي المدن الرئيسة في (إسرائيل)، وعلى وجه الخصوص (تل أبيب) وبئر السبع وأسدود وعسقلان، وغيرها.
أداء منظومة " القبة الحديدية "، فاجأ حتى مجمع الصناعات العسكرية " رفائيل "، التي انتجتها وطورتها بتمويل سخي من الولايات المتحدة الأمريكية، والافتراض الرئيس، الذي سنحاول هنا على التدليل على صدقيته، هو إن (إسرائيل) في ظل النجاحات التي حققتها " القبة الحديدية " خلال المواجهة الأخيرة مع غزة، ستكون أكثر جرأة على اتخاذ قرار بضرب المنشآت النووية الإيرانية، وعلى توجيه ضربة استباقية لحزب الله.
لماذا ستكون (إسرائيل) أكثر جرأة على ضرب إيران وحزب الله؟ إن أحد أهم المسوغات التي استند إليها المعارضون داخل الجيش والمؤسسة الأمنية، فضلاً عن النخب السياسية في (تل أبيب) لضرب منشآت إيران النووية، وعدم المبادرة للتورط في مواجهة مع حزب الله، هو أن الرد على هذه الخطوة سواء من إيران وعلى وجه الخصوص من حزب الله سيكون عنيفاً، عبر اطلاق آلاف الصواريخ، التي تهدد العمق الداخلي (الإسرائيلي) وتمس بالجبهة المدنية بشكل كبير، لا سيما بعد أن بدت الكثير من المثالب في استراتيجية تحصين المدن والمستوطنات والمرافق العامة. ومن الأهمية بمكان الوقوف على السبب الذي جعل رئيس الموساد السابق مئير دغان يعارض بشدة هذه الضربة، عندما كان على رأس عمله، حيث قال أن (إسرائيل) ليس بإمكانها تحمل سقوط آلاف الصواريخ، التي ستدك مدنها من "كريات شمونا" في أقصى الشمال وحتى "إيلات" في أقصى الجنوب.
لكن النجاحات المفاجئة التي حققتها منظومة "القبة الحديدية" ستعمل في المقابل على تقليص حدة هذه المخاوف، حيث أن هناك احتمالا كبيرا أن تنجح هذه المنظومة في التصدي للصواريخ المنطلقة من إيران ولبنان، مع العلم إن (الإسرائيليين) يؤكدون أن مصدر قلقهم الأساسي هو صواريخ حزب الله، بسبب القرب الجغرافي، بحيث يمكن أن تحدث أضرارا كبيرة، سيما وأن هناك الكثير من المرافق الحيوية والاستراتيجية، التي يؤدي المس بها إلى حدوث الكثير من الكوارث للتجمعات المدنية، لا سيما أن الكثير من معامل تكرير البترول، ومعامل اليود وغيرها، إلى جانب تواجد المطارات التي تتواجد عليها أهم الطائرات وأكثرها أهمية. من هنا، فإن النجاحات التي حققتها منظمة " القبة الحديدية " باتت تمنح دائرة صنع القرار السياسي في (تل أبيب) هامش مناورة تساعد على اتخاذ القرارات المهمة بشأن إيران في ظل مستوى أقل من المخاطرة.
وبالمناسبة هذا الاستنتاج الذي ولج إليه الكثير من المراقبين في (إسرائيل) في أعقاب انتهاء المواجهة مع غزة، حيث اعتبر هؤلاء أن لدى (إسرائيل) هامش مرونة كبير في التفرغ لمواجهة التهديد النووي الإيراني في ظل قدر أقل من المخاطر.
استنتاجات
لقد فطنت (إسرائيل) في أعقاب حملة " عمود السحاب " الأخيرة ضد غزة إلى القيام بالخطوات التالية:
1- تكثيف عملية تطوير هذه المنظومة، وجعلها أكثر فاعلية، بحيث تكون نسبة اسقاط الصواريخ تقارب 100%، مع العلم أنه على الرغم من أنه يتم تطوير هذه المنظومة في (إسرائيل)، إلا إن إدارة أوباما ملتزمة بتمويل تكلفة تطوير وانتاج هذه المنظومة بالكامل، وقد شدد السفير الأمريكي في (إسرائيل) دان شابيرو مجدداً على هذا الالتزام في اعقاب انتهاء المواجهة.
2- إحداث نقلة في التطوير، على مستويين، أولهما الفني، بحيث يتم تشغيل هذه البطاريات آليا، من أجل تحسين أدائها، مع العلم أن الذين يقومون بتشغيل هذه البطاريات هم جنود في الخدمة العسكرية. والمستوى الثاني يتمثل في ملاءمة هذه المنظومات لكي تصبح قادرة على إسقاط الصواريخ بعيدة المدى، وبذلك تتمكن من مواجهة احتمال قيام إيران بإطلاق صواريخ بعيدة المدى، كما هو متوقع؛ مع العلم أن هناك إجمالا على أن التحدي الذي يواجه (إسرائيل) يتمثل في ترسانة حزب الله من الصواريخ.
3- نشر بطاريات هذه المنظومات في محيط جميع المدن الرئيسة والمرافق الحيوية من أجل إسقاط الصواريخ، وتقليص مستوى الأضرار الناجمة عن سقوطها على هذه المرافق. ويذكر أنه عندما أطلقت حماس صواريخها صوب القدس، لم يكن هناك ثمة منظومات مضادة للصواريخ، مما زاد من المخاطر على المستوطنين. ومن الواضح أن هذا سيتطلب من الولايات المتحدة استثمار أموال ضخمة في تطوير وانتاج المزيد من البطاريات.
استدراك مهم
إن القلق مع سقوط عدد كبير من القتلى في حال قامت إيران وحزب الله بالرد على عمل حربي ضد المشروع النووي الإيراني هو اعتبار مهم ووازن لدى دائرة صنع القرار في (إسرائيل)، وهذا ما يضاعف أهمية وجود منظومة " القبة الحديدية "، التي تمكنت من إسقاط 80% من صواريخ غزة. ولكن هذا الاعتبار، على أهميته الوحيد في منظومة الاعتبارات (الإسرائيلية) المتعلقة بشأن مستقبل التعاطي مع المشروع النووي الإيراني؛ وبكل تأكيد هناك عوامل أخرى، منها: موقف الولايات المتحدة، التوازنات الإقليمية، نجاعة الضربة العسكرية (الإسرائيلية) ذاتها. فمن الواضح أن المواجهة مع غزة دللت لصناع القرار في (إسرائيل) على أهمية دعم واشنطن في أية مواجهة إقليمية، تحديداً في ظل التحولات التي جلبها الربيع العربي. في الوقت، ذاته، فإن هناك (إسرائيل) من يرى أن قدرة (إسرائيل) على العمل ضد إيران قبل حسم الأوضاع في سوريا محدودة، على اعتبار أن هناك بعض المستويات الأمنية في (تل أبيب) تخشى أن يتم توظيف ضرب إيران لأن ينطلق النظام السوري، أو حزب الله في مواجهة مفتوحة مع (إسرائيل) من أجل لفت الأنظار عما يجري في سوريا. صحيح إن (إسرائيل) ليست متحمسة كثيراً لتغيير النظام الحالي في دمشق، لكنها في الوقت ذاته تأخذ في الحسبان الاعتبارات الأمريكية والأوروبية، المتأثرة باعتبارات الدول العربية المتحالفة مع الغرب، المعنية بوضع حد للنظام القائم في دمشق.
خلاصة
يتضح إن منظومة القبة الحديدية ساعدت دائرة صنع القرار في (تل أبيب) على إدارة المواجهة مع غزة وحركة حماس، ومكنت نتنياهو من إبداء المرونة عندما قام الأمريكيون والمصريون بالضغط عليه للامتناع عن شن حملة برية. فعلى سبيل المثال، لو أن الصواريخ التي أطلقت على المدن الكبرى سقطت على التجمعات السكانية في المستوطنات لأدت إلى قتل عدد كبير من المستوطنين، وهذا كان سيدفع نتنياهو لشن حملة برية واسعة، بغض النظر عن طابع الضغوط الأمريكية والمصرية. أي أن منظومة " القبة الحديدية "، منحت نتنياهو هامش مناورة سياسي وسمحت له بمراعاة روابط التحالف مع الولايات المتحدة، وحساسية الموقف مع مصر. وفي المقابل فإن هذه المنظومة تسمح لنتنياهو بأن يكون أكثر جرأة في التوجه لقرار الحرب ضد إيران وحزب الله.