مصافحاتهم الحارة وابتسامات الطرفين أثارت استغرابه من زفير جده الذي كان يردد: "الله يهديهم.. عمرهم ما بتصالحو.."
بعفوية ربيعه العاشر تمتم الطفل الغزي مجد :" اذا كان الطرفان يسعدان للقاء بعضهما ويدعوان الى اتمام الصلح وتنفيذ بنوده في القريب العاجل فمن الذي يعيق ذلك يا جدي؟ هل العم صلاح بائع الخضرة بالحي يعيقهم؟ أم أن دموع الحاجة أم نعمان التي تنتظر زيارة ابنها الأسير منذ قرن من الزمان تحول دون ذلك؟ أم هي طفولتي المسلوبة يا جدي التي منذ أبصرتها وحماس وفتح في خصام؟
لسان الجد ظل عاجزاً عن الادلاء بإجابة شافية لحفيده مجد ، كما هو حال الطرفين الفلسطينيين، والتزمت عيناه الغائرتان بمراقبة مشاهد لقاء القاهرة التي ما فتئت تتكرر منذ عام 2007 ولا تنفيذ لتلك الوعود أو تطبيق على أرض الواقع لتلك الاتفاقيات.
هي نفسها المشاهد والابتسامات وحتى فلاشات الكاميرات للمصورين لم تختلف عن لقاءات المصالحة السابقة، ونص الاتفاق تشابه مع غيره في بعض الكلمات وأهمها التنفيذ كرزمة واحدة.
وكان اجتماع وفدي حركتي حماس وفتح برئاسة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل والرئيس محمود عباس الأخير في القاهرة يوم الخميس الماضي قد خلص الى التأكيد على إنجاز المصالحة ضمن اتفاق الرزمة وفي كل الملفات.
وتم الاتفاق على تشكيل لجنة لانتخابات منظمة التحرير، لمباشرة الإشراف على انتخابات المجلس الوطني، في المقابل تباشر لجنة الانتخابات المركزية عملها في الضفة وغزة، لاستكمال السجل الانتخابي، لافتة إلى أن هناك تفاهم بتكليف نفس اللجنة التحضير لانتخابات المجلس الوطني.
كما جرى الاتفاق على أن يباشر الرئيس الفلسطيني مشاورات تشكيل حكومة برئاسته، ودعوة الإطار القيادي للانعقاد لممارسة مهامه أول الشهر المقبل، وإقرار قانون المجلس الوطني.
البعض زاد جرعة التفاؤل لديه واضعاً آماله على نجاح اللقاء الأخير ، الا أن الأمر بات مكشوفاً لبعض الجماهير بدون جديد.
بدورها تساءلت "الرسالة" ما الجديد في لقاء القاهرة 2013 وهل نسبة التفاؤل باقتراب التنفيذ ارتفعت عن الاعوام السابقة؟
المحلل والكاتب السياسي طلال عوكل يقول :" لا أعتقد أن مدخل لقاء القاهرة كان مناسباً لأنه يفترض بعد مرور أكثر من عام على توقيع اتفاقية المصالحة الموقع في القاهرة بتاريخ 4/5/2011 وما حصل من تطورات يستدعي حوارا وطنيا يجتمع فيه الكل الفلسطيني لنقاش الخيارات"، وأضاف: "خيبات الأمل كثيرة ولكننا نتفاءل بحذر ولا نعتبر الاتفاق هو الأفضل".
فرص نجاح المصالحة
ويرى المحلل السياسي أن المصالحة الحقيقية تحتاج لإعادة بناء كل المؤسسات بما في ذلك الأجهزة الأمنية وهو باعتقاده من الصعب أن يحصل.
وفي معرض رده على سؤالنا ما اذا كان يعتقد أن التدخل المصري هذا العام أثقل منه في السابق، بين أن الرعاية المصرية هذه المرة لها ثقلها وتشكل ضمانة لم تتوفر في السابق.
وكانت الرئاسة المصرية قد أكدت أنه تم الاتفاق مع وفدي حركتي فتح وحماس المتواجدين في القاهرة على البدء الفوري في تنفيذ آليات الاتفاقات الموقعة سابقاً فيما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية الداخلية.
وأوضحت في بيان صحفي أن القاهرة ستوجه خلال الأيام القادمة دعوة إلى جميع الفصائل الفلسطينية، ويلي ذلك دعوة لجنة تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية في الأسبوع الأول من شهر فبراير القادم، وذلك للاتفاق حول الجدول الزمني لتنفيذ كافة القضايا في إطار رزمة واحدة بشكل متوازي.
من جهته قال أستاذ العلوم السياسية مخيمر أبو سعدة بنبرة يأس طغت على نسبة الأمل بنجاح فرصة المصالحة هذه المرة :" عملياً لا يوجد شيء جديد تم طرحه بالاتفاق في القاهرة (...) أيعقل أن يتم تنفيذ معظم الملفات رزمة واحدة قبل نهاية الشهر الحالي؟"
وبالنسبة لفرص نجاح المصالحة هذه المرة أوضح عوكل أنه لا تتوفر ارادة سياسية كافية لإنجاح المصالحة مؤكداً بأن الارادة السياسية هي كلمة السر لإنجاح وتطبيق المصالحة.
ويرى بدوره أبو سعدة بأن الثقة المبنية على شراكة سياسية هي كلمة السر الاقوى لإنجاح المصالحة الفلسطينية.
وفيما يخص تنفيذ الملفات المتفق عليها رزمة واحدة ، بين أستاذ العلوم السياسية بالأزهر أن رزمة واحدة ليس بالأمر الهين مشيراً الى الاجراءات ستتم بشكل متوازي وأولها تشكيل الحكومة وبعد ذلك التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية وعقد الاجتماع القيادي لمنظمة التحرير لبحث كيفية اعادة بناء المنظمة ولا يعقل أن تنجز جميعها في الوقت ذاته.
ومن اللافت بأن الملف الأمني في لقاء القاهرة الأخير لم يطرح رغم كونه من أعقد الملفات وأهمها لكلا الطرفين ، وبالنسبة لأسباب غياب الملف الأمني من آليات التنفيذ المطروحة بين وفدي الحركة وفي هذا السياق أكد عوكل أن الملف الأمني مستعصي كثيراً منوهاً الى أن الاختلاف بشأنه يعكس رغبة كلا الطرفين بالمحاصصة.
بدوره يرى أبو سعدة أنه من أعقد الملفات وأنه سيتم ترحيله الى ما بعد الانتخابات ، لافتاً خلال حديثه لـ"الرسالة" أنه لا يمكن معالجته قبل الانتخابات.
لا اتفاق لتشكيل الحكومة
وعند سؤالنا للمحلل السياسي أبو سعدة عن أنه تم الحديث عن بدء مشاورات الحكومة وليس تشكيل الحكومة ، أجاب :" أبو مازن متخوف من اعادة بناء المنظمة وحماس متخوفة هي الأخرى من نتائج الانتخابات مما سيؤدي الى وجود عوامل تعيق تنفيذ اجراءات الاتفاق ".
وتابع :"لا يوجد حتى الآن اتفاق على وزراء الحكومة فعباس يريد حكومة تكنوقراط حتى تحظى بتأييد دولي وامريكي وحماس ترغب بحكومة تنال الثقة من التشريعي ".
وكان عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية -حماس عزَّت الرَّشق قد نفى ما تداوله أحد المواقع الإلكترونية أن يكون أدلى بتصريحات حول الاتفاق على تشكيل حكومة رئيسها ووزرائها جميعهم من المستقلين، ولا ينتمون لأي فصيل.
وبعد رزمة لقاءات المصالحة على مدار سنوات الانقسام ما زال جد الطفل مجد متأملاً أن تنتهي حكاية الانقسام الفلسطيني ليرسم البسمة على محيا كما ترتسم على وجوه الطرفين المتخاصمين.