قائد الطوفان قائد الطوفان

صعود اليمين المتطرف وتضرر بيئة "إسرائيل"

خلال حمله دعائية
خلال حمله دعائية

د. صالح النعامي

إن صعود اليمين المتطرف في أعقاب الانتخابات (الإسرائيلية) الأخيرة سيزيد من خطورة البيئة الدولية والإقليمية للكيان الصهيوني. ومما لا شك فيه أن أحد أبرز التداعيات لتعاظم تأثير اليمين الصهيوني المتطرف في أعقاب الانتخابات (الإسرائيلية) هو تضرر مكانة الكيان الصهيوني الدولية، وزيادة اعتماده على الولايات المتحدة تحديداً.

ستكون (إسرائيل) في ظل حكم اليمين المتطرف أمام خيارين أحلاهما مر، فهي من ناحية ستكون عاجزة عن التصرف بمعزل عن تأييد ودعم الولايات المتحدة، لا سيما في ظل التحديات التي يفرضها الربيع العربي، وفي الوقت ذاته ستكون عاجزة عن الحد الأدنى من توقعات الإدارة الأمريكية، لا سيما في خضم الولاية الثانية للرئيس أوباما.

فمن ناحية تشكيل حكومة يمينية متطرفة سيافقم من أزمة اعتماد (إسرائيل) على الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق، لكن ذلك يتم في ظل ظرف غير مريح للولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل)، وهو ما جعل أوباما لا يتورع عن توجيه انتقادات غير مسبوقة لرئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو.

ويرى إن تشكيل حكومة من اليمين المتطرف سيقلص من قدرة (إسرائيل) على مواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن الربيع العربي، فـ(إسرائيل) لا يمكنها أن تزيد موازنة الأمن بشكل كبير بدون مساعدة خارجية، وهذا تحدي كبير، لا سيما في ظل الأزمة الكبيرة التي يمر بها الاقتصاد العالمي، حيث إن قدرة (إسرائيل) على تجنيد ضمانات مالية لتغطية نفقات الأمن المستجدة ستكون محدودة جداً، وهو ما يعني إن الخيار الوحيد المتاح أمام (إسرائيل) سيكون التوجه للولايات المتحدة لمطالبتها بزيادة المساعدات الأمنية بشكل كبير.

إن طلب مساعدات أمريكية يعني زيادة ارتباط (إسرائيل) بالولايات المتحدة بشكل يقلص من هامش المناورة السياسية لدى النخب الحاكمة في (تل أبيب)، وهو ما جعل (إسرائيل) تسعى في الأعوام الماضية لتقليصه إلى حد كبير.

ومن الواضح تداعيات وانعكاسات الواقع الجديد ستكون أشد في ظل وجود رئيس أمريكي يتخذ موقفاً نقدياً من سياسات الحكومة (الإسرائيلية) الحالية، كما هو الحال مع الرئيس أوباما. لكن مشاكل (إسرائيل) لا تتوقف عند هذا الحد، فالولايات المتحدة ليس لها مطلق الحرية في تقديم الدعم السياسي والاقتصادي لـ(إسرائيل)، بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها الولايات المتحدة، لدرجة أن السيناتور الأمريكي براند بول يقول أن أمريكا تقترض كل ثانية 50 ألف دولار من الصين لتغطية العجز في موازنتها. ففي الوقت الذي يزداد ارتباط (إسرائيل) بأمريكا، فإن مكانة أمريكا في العالم العربي تتدهور، حيث ينظر العرب إليها كالطرف الذي ساعد أنظمة الاستبداد والديكتاتورية، وبالتالي فإن هناك أساس  للافتراض إن الولايات المتحدة ستلجأ للضغط على (إسرائيل) من أجل استعادة مكانتها في العالم العربي، ولما كان وجود حكومة يمينية يحول التجاوب مع الضغوط سيما على الصعيد السياسي، حيث أن مركبات الحكومة (الإسرائيلية) القادمة ستصر على رفض أي توجه نحو التسوية، فإن هذا يعني زيادة فرص التصادم بين امريكا و(إسرائيل).

تولي اليمين المتطرف مقاليد السلطة في (إسرائيل)، بالإضافة إلى زيادة النفقات الأمنية سيمس بمكانة (إسرائيل) الدولية، و وسيجعل الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة ينظر إليها كعبء، وذلك بخلاف الاستنتاج الذي وصل إليه رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، الذي زعم بأن التحولات في العالم العربي  تفرض على الغرب تقديم الدعم المادي لـ(إسرائيل)، على اعتبار إنها تمثل "واحة ديموقراطية واستقرار في منطقة غير مستقرة "، وهذا ما يمثل خدمة استراتيجية للولايات المتحدة والغرب.

قبل تصاعد قوة اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني كان بالإمكان القول أن هناك مبالغة  في طرح المخاوف التي تنافس كل من قادة الأجهزة الأمنية والمحللون (الإسرائيليون) على رصدها بشأن تداعيات الثورات العربية. وقد كان هناك من يقول أنه على الرغم من إن الثورات العربية أفضت في بعض الدول إلى تغيير أنظمة الحكم، سيما مصر، لكن هذا لا يعني على الإطلاق الاستنتاج بأن هذا سيقود إلى أن تقدم مصر على إلغاء معاهدة كامب ديفيد. وصحيح أن أية حكومة مصرية ستقرر يوماً إلغاء معاهدة " كامب ديفيد " لن تقدم على هذه الخطوة الاستراتيجية لمجرد أن الحزب الذي يشكلها يرفض المعاهدة، على اعتبار أن أي قرار مصري بإلغاء معاهدة " كامب ديفيد " إلى تغيير حقيقي في موازين القوى القائم، والذي يميل حالياً بشكل كبير لصالح (إسرائيل).  لكن من الواضح أنه في أعقاب صعود اليمين المتطرف في (تل أبيب) على هذا النحو، فإن هذا التطور سيقلص هامش المناورة أمام الحكومات العربية، لأن سياسات الحكومة (الإسرائيلية) القادمة ستكون من التطرف والغلو بشكل لا يمكن معه للحكومات العربية، سيما الحكومات التي صعدت بعد الثورات العربية، أن تغض الطرف عن سلوك (إسرائيل) في المستقبل.

صحيح إن الظروف الموضوعية تلزم مصر تحديداً بالحفاظ على معاهدة "كامب ديفيد" بفعل الاعتبارات الاقتصادية المصرية المحضة، بل أن هناك من يرى أن مستويات الضرر الاقتصادي الذي سيلحق بمصر سيكون أكبر بكثير من مستويات الضرر الذي سيلحق بإسرائيل في حال تم إلغاء "كامب ديفيد". لكن في المقابل، ليس بوسع المرء أن يتخيل حجم الجنون الذي يمكن أن تذهب إليه (إسرائيل) في ظل القيادة الجديدة، وهناك أساس للاعتقاد أن سياسات (إسرائيل) في المستقبل ستقلص هامش المناورة أمام القيادة المصرية، وستجعلها  تخوض مواجهة سياسية ودبلوماسية معها.

قصارى القول، حتى قبل تشكيل الحكومة الجديدة في (إسرائيل)، بالإمكان القول أن الكيان الصهيوني يقبل على تغيير جذري في بيئته الإقليمية والدولية.

 

البث المباشر