قائد الطوفان قائد الطوفان

دخل عامه الثلاثين

عميد الأسرى المقدسيين.. جرحٌ أحدثه الاحتلال

 

رام الله – الرسالة نت

حزن واضح بدا على صوت أم نضال شقيقة عميد الأسرى المقدسيين في سجون الاحتلال فؤاد الرازم 53 عاماً حين بدأ الحديث معها حول مرور ثلاثين عاماً على تغييبه داخل عتمة الزنازين الصهيونية.

 

فتلك السنوات التي مرت كالدهر على عائلة الرازم المقدسية لم تترك بين طياتها سوى ألم دفين فتح الاحتلال أركانه، أما تناسي قضية الأسرى المقدسيين وتعنت الاحتلال في تلبية مطالبهم كفلسطينيين فحكاية أخرى تزيد الإمعان في الظلم.

 

وتعود أم نضال الرازم في ذاكرتها إلى ذاك اليوم الذي خطفت فيه أيادي الاحتلال شقيقها، حيث حاصرت قوة كبيرة منزله الكائن في حي سلوان المقدسي في 31 من كانون الثاني عام 1981 وقيدته واقتادته إلى مراكز تحقيقها.

 

وتوضح السيدة نبيلة الرازم أن ذاك اليوم أصبح فاصلاً في حياة العائلة، حيث تعرض شقيقها لأقسى صنوف التعذيب داخل أقبية التحقيق التابعة للاحتلال بحجة انتمائه لحركة الجهاد الإسلامي والمشاركة في نشاطات عدة تابعة لها، لافتة إلى أنه مكث أياماً طويلة في غرف التحقيق قبل أن تعتقل قوات الاحتلال أشقاءه ووالديه في محاولة للضغط عليه.

 

وتضيف:" تلك الفترة كانت قاسية علينا لأن العائلة كلها تعرضت لبطش الاحتلال وعنصريته واعتداءاته، ولم يكن فؤاد هو المستهدف فقط بل كلنا كمقدسيين، وبعد أن حاولوا الضغط عليه لانتزاع معلومات منه تبين لهم أنه مقدسي أصيل ذو عود صلب لا يمكن ابتزازه".

 

حقد دفين

وبعد عدة أشهر من استجوابه وإخضاعه لتحقيق قاسٍ، قرر الاحتلال تقديم فؤاد الرازم للمحاكمة، ولكنها لم تكن محاكمة عادية.. حيث مثل أمام ما يسمى بقاضي الاحتلال ثلاثين مرة قبل أن ينطق بالحكم الجائر بحقه.

 

ولأن الاحتلال يسعى فقط إلى التضييق على الفلسطينيين عموماً والمقدسيين منهم خاصة، أصدر حكماً بالسجن المؤبد ثلاث مرات بحق الرازم إضافة إلى أحد عشر عاماً، ليستحق بعد ذلك لقب عميد الأسرى المقدسيين.

 

وتؤكد أم نضال أن الحكم الجائر بحق شقيقها وإن آلم عائلته إلا أنه كان بمثابة تحدٍ للاحتلال في معركة صبر طويلة الأمد لا بد للفلسطينيين من الانتصار فيها أخيراً.

 

وتتابع:" نحن لا تهمنا هذه الأحكام ولا السنوات الطويلة، فهناك العديد من الأسرى الذين يقضون أحكاماً خيالية، وكل هذه الممارسات من قبل الاحتلال لن تزيدنا إلا صبراً وإرادة على إحقاق الحق".

 

نسج الأمل

ومما لا شك فيه أن عملية أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط كانت بارقة أمل عظمى لسبعة آلاف أسير وآلاف العائلات التي تنتظر تحريرهم على أحر من الجمر، ولم تكن عائلة الرازم بعيدة عن نسج خيوط الأمل في رؤية ابنها قبل أن تنهشه سنين الأسر.

 

وتقول السيدة نبيلة إن مشاعر مختلطة تداهم نفوس عائلتها عند السماع عن قرب التوصل لصفقة تبادل مشرّفة للأسرى الفلسطينيين مقابل الجندي الأسير، خاصة وأن الاحتلال يعامل الأسرى المقدسيين كمواطنين في كيانه والذين لا يحق لهم الإفراج خلال أي صفقات لتبادل الأسرى وفق شريعة الغاب التي يحيا بها.

 

وتتابع أم نضال:" نحن كلنا أمل بخاطفي شاليط ألا يتنازلوا عن مطالبهم بالإفراج عن الأسرى المقدسيين وأسرى الأراضي المحتلة عام 1948 الذين يستثنيهم الاحتلال دوماً من أي صفقات تبادل أو إفراجات عشوائية، وعندما نزور فؤاد نجد أن معنوياته عالية ويتحدث عن آماله بالإفراج عنه خلال صفقة التبادل".

 

ولا يعتبر الأسير الرازم أقدم الأسرى المقدسيين فقط، بل إنه واحد من مئات الأسرى المرضى الذين يمارس الاحتلال بحقهم سياسة الإهمال الطبي، فتحدثت تقارير لمنظمات حقوقية أنه يعاني من أمراض في المعدة والعيون وآلام شديدة في الرأس مجهولة الأسباب.

 

أما إحدى أبرز الجِراح التي عاشها الرازم فهي وفاة والدته دون السماح له برؤيتها سوى على سرير الموت لدقائق معدودة، ورغم تقديم العائلة كافة التقارير الطبية التي تشير إلى حالة والدته المتدهورة صحياً، إلا أن قسوة الاحتلال أعمت كل مظاهر الشفقة والرحمة التي من المفترض أن يمتلكها أي بشري، لترحل الأم دون رؤية ابنها خارج قضبان الأسر.. وإلى الأبد.

 

أرقام

ويزيد عدد الأسرى المقدسيين في سجون الاحتلال عن 500 منهم 51 معتقلون قبل توقيع اتفاقية أوسلو بين السلطة الوطنية والكيان الصهيوني، كما أن بينهم ست نساء و12 طفلاُ.

وتفيد تقارير عدة لمؤسسات حقوقية وإنسانية بأن الاحتلال يميز حتى في معاملته للأسرى الفلسطينيين، حيث يحرم المقدسيين وفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 الامتيازات التي يمنحها للأسرى الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، في خطوة تهدف إلى الفصل النفسي بين الفلسطينيين جميعاً.

 

وتشير التقارير إلى أن 12 شهيداً من الأسرى المقدسيين سقطوا خلال اعتقالهم داخل سجون الاحتلال، بينهم خمسة ارتقوا شهداء بسبب انتهاج الاحتلال لسياسة الإهمال الطبي بحقهم.

 

ومن الجدير ذكره هنا أن اتفاقية أوسلو تحرم الأسرى المقدسيين وأبناء الأراضي المحتلة عام 1948 من الإفراج خلال أي صفقات لتبادل الأسرى من باب ما يسمى بقضايا الحل النهائي التي لم يتم حلها حتى الآن.. ليبقى أولئك أسرى الصمت الفلسطيني والعربي القاتل قبل أن يكونوا أسرى قيود الاحتلال.

البث المباشر