منذ سنوات غاب الحسّ المجتمعي مع المعاقين فانحسر التفاعل معهم لأدنى مستوياته رغم كثرة الهموم وتزايد الإعاقات.
ذاكرتهم مبللة بالحزن وقلوبهم تخفق بالأمل وقبل كل ذلك يحتاجون لم يدعم صمودهم ويقف عند حاجاتهم الملوّنة.
افتتحت جمعية البريج لتأهيل المعاقين بالتنسيق مع بلدية النصيرات اليوم معرض "سوق فلسطين الخيري" وهو سوق لبيع السلع بأسعار مخفّضة أملاً في الاستفادة من أرباحه لدعم المعاقين.
ويقدم المعرض عدد كبير من السلع للبيع بدءً من الأدوات المنزلية والملابس بكافة أنواعها والإكسسوارات والعطور والأحذية ومواد غذائية سلع أخرى.
رسالة المعاقين
يتحرك جمعٌ من المسئولين والوزراء بين أروقة المعرض تسبقهم كاميرات المصورين في الدقائق الأولى لافتتاح السوق مبدين إعجابهم بالأسعار وتنوع البضاعة.
يؤكد محمد أبو شكيان رئيس بلدية النصيرات أن بلديته سهّلت إقامة المعرض ومنحت جمعية البريج الموافقة وهيّأت كافة المستلزمات مؤمنة بضرورة التواصل مع فئة المعاقين.
ويضيف: "دورنا كان المساعدة والمساندة مع كافة مؤسسات المجتمع المدني خاصة فئة المعاقين ومطلوب منحهم كل من يلزم ويسهل لهم بدء من تسوية الأرض والتنسيق مع كافة المعنيين".
ويقف بجوار أبو شكيان النائب في المجلس التشريعي د.عبد الرحمن الجمل والذي اختطفه أحد الحضور ليسرّ له بأمر ما على انفراد.
يقول النائب الجمل إن المعرض يعد فعالية متميزة لشريحة مهمة ويعود بالنفع على المعاقين والمجتمع.
ويضيف: "التخفيضات في الأسعار تصل إلى 40% في معظم المحلات المشاركة وهي تعود بالنفع على المعاقين والمجتمع المحلي ككل" .
أما راعي المعرض ورئيس جمعية البريج لتأهيل المعاقين علي الشيشنية فيقول إن فكرة إقامة المعرض فكرة تنموية جاءت لإبراز طاقات ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع.
ويرى أن هذا المعرض يوصل رسالة لكافة المعنيين وطبقات المجتمع أن المعاقين حاضرين في المجتمع وأنهم أشخاص يافعين وبإمكان الكل الاعتماد عليهم والتواصل معهم.
ويضيف: "كانت فكرة من ذوي الاحتياجات الخاصة لبناء هذا السوق ونحن في الجمعية رعينا الفكرة وقدمنا طلب لبلدية النصيرات ووافق رئيس البلدية ومنحنا المكان وسيستمر من 12-14 يوم ولدينا 30 تاجر وريع المبيعات يعود للمعاقين".
بناءً على خبرته بكافة التفاصيل الفنية واللوجستية للسوق الخيري لا يكف هاتف محمد أبو حسنة مدير المعرض عن الرنين ولا يجد متسعاً ليخلو بنفسه دقائق معدودة دون أن يرسلوا في طلبه.
يعدل منظاره الطبي ويؤكد أن فكرة المعرض جاءت من قديم وبدأت من رفح ونجحت ثم انتقلت للمحافظة الوسطى.
ويشير أن التجار أبدوا الاستجابة ورحبوا بالفكرة رغم انخفاض هامش الربح موضحاً أن هناك فكرة لإقامة السوق في المواسم كالعيد ورمضان.
ويضيف: "العائد سيكون للمعاقين عبر جمعية البريج لتأهيل المعاقين وسنستخدم المال لتأهيلهم وشراء عربات متنقلة فالمعاق يحتاج لحاجات مادية ومعنوية ومطلوب أن يتعامل المجتمع معهم بشكل طبيعي كجزء أساسي منه".
آمال وآلام
على كرسيه المتحرك يجلس جهاد الغول 20 سنة متفحّصاً ما يدور حوله بإمعان وقد شارك للتوّ في التقاط صورة مع بعض المسئولين والوزراء.
فقد جهاد ساقه قبل 5 سنوات في أحد اجتياحات الاحتلال للمحافظة الوسطى ومن يومها يعيش تجربة الإعاقة وآلامها كما يقول.
يقول لـ"الرسالة نت" :"أهم احتياجات المعاق هي الكرامة وهناك لغز في كلامي فليس كل شيء فلوس! المجتمع مقصر في حقنا ! وأعتذر لأن صوتنا بصعوبة يصل وهناك كثير من المصابين".
بجواره يجلس محمود الرفاعي 28 سنة على كرسي متحرك متضامناً مع صديقه في اتهامه المجتمع بالتقصير نحو المعاق.
ويضيف:" هناك للأسف معاقين وهناك معوّقين لا يتطلعون لنا وعلى المجتمع دور نحو ذوي الاحتياجات الخاصة فقط يتكلمون عبر وسائل الإعلام".
ويشير أن احتياجات المعاقين تختلف وتتباين فمن بترت قدمه احتياجاته مثلاً تختلف عن المصاب بالشلل معتبراً مثل تلك الفعاليات لفتة نظر نحو قضيتهم .
زبائن وتجار
تتحرك أنامل التاجر طلعت أبو عنزة بخبرة وهو يطوي سروالاً اشترته إحدى السيدات للتوّ مباركاً له البيع والمبيع.
يرى طلعت أن مشروع السوق مبادرة جيدة نحو المعاقين موضحاً أن نسبة الربح أقل بكثير عن الأسواق الأخرى.
يبيع طلعت ملابس نسائية متنوعة لكافة الأعمار ويتوقع أن تزداد حركة البيع في الأيام القادمة خلافاً عن الساعات الأولى لافتتاح المعرض.
ويضيف: "فتحت المحل عند السابعة صباحاً وبدأت البيع وشريحة المعاقين تحتاج لمثل هذه المشاريع لدعم صمودهم وأتمنى أن يستفيد من هذا السوق سواء التاجر أو الزبون والمعاق" .
في الجوار يدور حديث هادئ بين أحد الزبائن والتجار حول بعض السراويل والقمصان وأسعارها المخفّضة عن بقية الأسواق.
يقول نصر مزهر وهو أحد الزبائن الوافدين من الأردن لغزة قبل أيام إنه معجب بهذه الفعالية التي تدعم سوق المعاق وكل محتاج وفقير.
ويتابع: "أتيت لاشتري عبايات وجلابيب من هذا المعرض وأعتقد من خلال معرفتي التي أخذتها من خلال هذه الجولة أن الأسعار مناسبة وقد تكون مقاربة للأردن".
يتدخل التاجر ناصر راضي مقاطعاً حديث زبونه ناصر بالقول أنه جاء ليشارك ببضاعته النسائية مثل العبايات والسراويل والقمصان وكثير من السلع.
ويضيف: "سمعت أن بإمكان التاجر المشاركة والبيع بربح أقل لدعم المعاقين وهنا مثلاً أبيع العباية 25 شيكل وقمصان بعشرين شيكل وغيرها وكل تلك البضاعة سعرها أقل فالمعاق يتحاج دعم مادي ومعنوي وكل عائلة فيها معاقين ولابد نساعد كلنا المعاقين".
في الجزء الشرقي من المعرض يرتب التاجر مصطفي السقي بضاعته "ملابس رجالية" فهذه هي المرة الأولى التي يشارك في مثل هذه المعارض .
ويؤكد أن المعاقين شريحة مهمة في المجتمع وبدأنا اليوم البيع حيث شهدت الساعات الأولى إقبالا متوسطاً من الزبائن.
أما المواطن "أبو محمد" فيبدو محتاراً وهو يتفحّص الأحذية المتراصّة أمام محلات التجار في الجزء الشمالي من المعرض.
يرى "أبو محمد" أن السوق بصفة عامة جيد وأن التخفيضات تطال كثير من السلع مع وجود كثير من الأسعار المقاربة لسلع أخرى في الخارج.
ويضيف: "جئت كمشارك وتلبية لدعوة الجمعية وأرى أنني بحاجة لأخذ مزيد من المعلومات عن الأسعار والأصناف باستكمال جولتي في المعرض".
ومن المقرر أن يفتح المعرض أبوابه طوال أسبوعين من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساءً أمام الزبائن الوافدين من كافة أنحاء المحافظة الوسطى ومندوبو الجمعيات الأخرى.