قائمة الموقع

"إسرائيل".. وهاجس القطيعة مع اليمين الأمريكي

2013-02-21T16:07:24+02:00
نتنياهو في امريكا (الأرشيف)
بقلم/ د. صالح النعامي

يمثل تواصل التأييد الأمريكي لـ(إسرائيل) أحد أهم الأهداف التي تحاول الحركة الصهيونية ضمانها، على اعتبار أن هذا التأييد هو في الواقع ضمانة لوجود الكيان الصهيوني. وفي نظر صناع القرار والنخب في هذا الكيان فإن العلاقة مع اليمين الأمريكي، بشقيه العلماني والديني، تمثل أحد المصادر الهامة لضمان هذا التأييد.

ويرى دانيل اورن مدير المركز (الإسرائيلي) للتطور الثقافي والاجتماعي (الإسرائيلي) أن هناك مؤشرات على تبني أوساط يمينية أمريكية مواقف تتناقض بالكامل مع المصالح الاستراتيجية لـ(إسرائيل).

وفي مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" تعرَّض اورن لجملة من المؤشرات التي يدلل على التغير في مواقف هذه الأوساط، كما سلط الضوء على ذلك النتاج الفكري للنخب التي تمثل هذا اليمين.

ويشير أورن إلى أن الأوساط الليبرالية التي تمثل اليسار الأمريكي والتي كانت في الماضي من مؤيدي (إسرائيل) التقليديين تحولت لتكون عدو حقيقي لـ(إسرائيل) بسبب الصراع مع الفلسطينيين. هذا الانتقال من التأييد المطلق لـ(إسرائيل) إلى التحفظ على سياستها، انتهاءً بالعداء لها، مشيراً إل أنه يمكن لمس هذا العداء من خلال المواقف التي عبر عنها بعض المحسوبين على الحزب الديمقراطي.

وبالنسبة لأورن، فإن المفاجأة تكمن في تحول مماثل في مواقف قطاعات من جمهور اليمين الأمريكي والتي باتت تتبنى مواقف لا تخدم المصالح الاستراتيجية (الإسرائيلية)، وتحديدًا جماعات اليمين الأمريكي غير العلمانية؛ فهذه الجماعات باتت تدعو إلى اتَّباع سياسة انعزالية على صعيد العلاقات الخارجية لواشنطن، وفي حال تم تبني هذا التوجه فإنه سيؤثر سلبًا على مصالح (إسرائيل)، وسيحدث تآكل خطير على التأييد الذي تحظى به (إسرائيل) من الدولة الأقوى في العالم.

ويشير أورن إلى معطيات حول التوجه الجديد لدى جماعات اليمين الأمريكي تضمنها كتاب "القوة الحكيمة"، لمؤلفه تيد كريفنتر، و الصادر عن مركز "كاتو"، وتدلل على تبني هذه الجماعات المزيد من المواقف التي تتناقض مع مصالح (إسرائيل)، فضلاً عن انتقاداتهم لللوبي اليهودي.

ويشدد الكتاب على أنه يتوجب استثناء "المسيحيين المعمدانيين"، الذين يشكلون قوة هامة من اليمين الأمريكي، حيث أن هذا القطاع لازال يرى في دعم (إسرائيل) تكليف إلهي. ويشدد كريفنتر الذي يعتبر نفسه من كبار مفكري اليمين العلماني على أن هذا اليمين بات يوجه انتقادات متزايدة لطابع العلاقة بين واشنطن و(تل أبيب) وتأييد أمريكا المطلق بإسرائيل.

كما يرى قادة اليمين المسيحي أن السياسة الخارجية الأمريكية هي مجرد خليط من الأهداف غير المبلورة بشكل واضح والتي تعكس حجم التردد وانعدام الرؤية التي أصبحت الصبغة السائدة للسياسات التي توصي بها وزارة الخارجية. ويؤكد كريفنتر أن مواقف إدارة بوش الجمهورية أجبرت الولايات المتحدة على محاولة إملاء نتائج محددة في كل مكان وحول أي قضية مهما كانت، وهو أمر مستحيل حتى عندما يتعلق الأمر بالقوة الأعظم في العالم.

ويرى اليمينيون أن أمريكا قد تورطت في نزاعات ثانوية مثل صربيا والصومال، واستثمرت موارد ضخمة في الصراع العربي (الإسرائيلي)، ما يشكل تهديدًا على المصالح الأمريكية. في الوقت ذاته تجاهلت مخاطر كبيرة أخرى، مثل مستقبل الأنظمة في الدول النفطية، وتأثير تحول إيران إلى قوة نووية على سوق النفط، أي بكلمات أخرى، فإن اليمين الأمريكي مستاء من عدم اهتمام الإدارة الأمريكية بالتركيز على درء المخاطر التي تهدد الأوضاع الاقتصادية لكل من أمريكا و أوروبا. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن قادة اليمين العلماني لا يقترحون استخدام القوة ضد إيران من أجل التخلي عن برنامجها النووي، وهذا يمثل مسًا بمصلحة أمريكا الاستراتيجية.

ويشير أورن إلى أن قادة اليمين العلماني في أمريكا لا يقترحون تغيير سلم الأولويات الأمريكية من أجل مواجهة التحديات الاستراتيجية، بل يقترحون ببساطة اتباع سياسة خارجية قائمة على الانعزالية. ويقترح قادة اليمين عدم تدخل الإدارة الأمريكية في النزاعات الإقليمية، وتوفير مواردها القوميَّة واستخدامها فقط في الدفاع عن المصالح الحيوية من الطراز الأول.

وحسب أورن، فإن قادة اليمين العلماني في الولايات المتحدة يتجهون إلى تجاهل أو التقليل من شأن التهديدات التي تمثلها الأصولية الإسلامية، وتأثيرها على أسعار النفط وتوظيفه في الإرهاب ضد الغرب. ويعتبر قادة اليمين العلماني أن العمليات التي تقوم بها الجماعات الإسلامية الجهادية هو مجرد تكتيك ولا تمثل تهديدًا، على اعتبار أنها صادرة عن عدو محدد وواضح. ويحذر أورن من أن التسويغات التي يسوقها قادة اليمين العلماني لتبرير عدم النظر إلى الجماعات الإسلامية كتهديد يتناقض مع مصالح (إسرائيل) الاستراتيجية، حيث أن (إسرائيل) معنية بأن تُواصل أمريكا حربها ضد هذه الجماعات، في نفس الوقت كيف يمكن الانطلاق من قناعة بأن عمل الحركات الجهادية لا يؤثر على أسعار النفط في العالم.

ويشدد أورن على إن أخطر ما يدعو إليه مفكرو اليمين العلماني في أمريكا هو تقليلهم من شأن نتائج إمكانية استخدام عناصر تنظيم "القاعدة" لقنابل نووية صغيرة أو "القنابل القذرة". وينقل اورن عن كريفنتر، قوله "لما كان من المستحيل على التنظيمات الجهادية الحصول على عدد كبير من هذه القنابل، فإن الخطر الناجم عن استخدام عدد قليل من القنابل القذرة ـ رغم الفظائع الذي سينشرها ـ ستكون أقل بكثير من الفظائع التي نجمت عن استخدام القنابل النووية في الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي".

ويلفت أورن نظر القيادة (الإسرائيلية) إلى إن تجاهل قادة ومفكري اليمين للخطر الناجم عن استخدام القنابل القذرة ضد المدن الأمريكية يعني أنهم لن يحركوا ساكنًا عندما يتم مهاجمة مدن (إسرائيلية).

ويضيف: "إن ما يعرضه قادة اليمين العلماني في أمريكا يدلل على أنهم مصابون بالعمى وعدم القدرة على التمييز بين الصالح والطالح، حيث أن السياسة البديلة التي يقترحونها تدعو إلى تمكين قوى أوروبية من قيادة العالم إلى جانب أمريكا، وهم يرفضون بقاء أمريكا كالقوة الوحيدة في العالم. وهذا يشكل دليل آخر على عمى قادة اليمين الأمريكي، حيث أنهم يعتقدون أن هذا الواقع سيساعد في إيجاد مناطق أمنية تكون قادرة على الدفاع عن الغرب، فضلاً عن أنه سيساهم في إيجاد المزيد من الأنظمة الديمقراطية في العالم "، على حد تعبيره.

ولا يفوت أورن التذكير بأن تبني مثل هذه الأفكار يمثل مصيبة لـ(إسرائيل)، حيث أنه يسمح بتنامي القوى الإسلامية كقوة مركزية في العالم، لا سيما في ظل تعاظم دور المسلمين في أوروبا.

اخبار ذات صلة