يعيش اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ظروفا صعبة على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وتمثل قصة الطفل الفلسطيني مصطفى الدنان -اللاجئ في مدينة صيدا بالجنوب اللبناني إحدى شواهد الحرمان والمعاناة التي يعيشها أطفال اللاجئين منذ عقود.
فالطفل مصطفى -ذو التسع سنوات- ولد وهو يعاني من مشاكل صحية في الرأس والعمود الفقري تسببت له بالشلل التام، دون أن تنفع معها عدة عمليات جراحية صعبة، لم تكن أصعب من حال أسرته الفقيرة والمعدمة وغير القادرة على تغطية ومجاراة نفقات العلاج.
وبعد تدهور وضعه الصحي قرر الأطباء إجراء عملية "الماء الدماغية" في الرأس، وذلك بعد أن تم تأمين جزء من نفقات العلاج من عدة جهات خيرية. وعلى إثر العملية نصح المختصون عائلته بإجراء عملية جراحية ثانية وفورية في العمود الفقري مصحوبة بتركيب جهاز في الظهر يبلغ ثمنه حوالي ستة عشر ألف دولار أميركي، فيما قدرت نفقات العلاج كاملة بنحو خمسة وعشرين ألف دولار.
وبحسب تقارير اطلعت عليها الجزيرة نت، فإن أي تأخير لإجراء هذه العملية الجراحية سوف يعرض حياة مصطفى للخطر.
اتهامات بالتقصير
ويتهم ذوو الطفل -في حديث مع الجزيرة نت- الجهات الفلسطينية المسؤولة بالتقصير حيال تدهور صحة طفلهم الذي يحتاج إلى من يتبناه صحيا ويقوم بتأمين نفقات علاجه، وهم يحملون وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) المسؤولية الأكبر بوصفها المعنية أساسا بشؤون واحتياجات اللاجئين.
والطفل مصطفى ابن لأب فلسطيني يعيل عائلة كبيرة، ويكدح عاملا بالأجرة اليومية، في ظل قوانين وتشريعات تحرم على اللاجئ الفلسطيني بلبنان العمل في أكثر من سبعين وظيفة عامة وخاصة في البلاد، رغم مضي أكثر من 65 عاما على وجودهم منذ تاريخ النكبة.
ويروي الأب وسام الدنان كيف أصبح واقع العائلة في ظل ظرف صعب تعيشه منذ ثماني سنوات، زاد من صعوبته تفاقم وضع مصطفى بعد أن أصيب باختلاجات كهربائية في رأسه وشلل في قدميه وتجمع للمياه في دماغه، الأمر الذي جعله بحاجة ماسة إلى عدة عمليات لوقف ضمور دماغه بفعل تجمع الماء.
وكان عدد من الخيرين والمتبرعين قد غطوا تكاليف العديد من العمليات الجراحية للطفل مصطفى، إلى جانب تأمين مصروفاته الشهرية وتكاليف مدرسته الخاصة بذوي الإعاقة.
ويعاني أطفال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من غياب الرعاية الصحية الكاملة، في وقت تكررت فيه حوادث يموت فيها صغار وكبار على أبواب المستشفيات بعد أن رفضت استقبالهم دون تأمين مسبق لأقساط العلاج، فاستقبلهم الموت في مشهد تقشعر له الأبدان.
ظروف قاسية
ووفقا لإحدى الدراسات التي أجراها باحثون من الجامعة الأميركية في بيروت أواخر العام الماضي، فإن القوانين التمييزية وعقودا من التهميش قد حولت اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى طبقة من المحرومين اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وصحيا.
ولفتت الدراسة -التي شملت 2500 أسرة فلسطينية- إلى أن ظروف المعيشة الصعبة والبائسة قد رفعت معدلات الأمراض المزمنة بشكل انعكس بصورة مباشرة على الأطفال.
ووفقا للدراسة يعاني 42% من الفلسطينيين من تسرب المياه في أماكن سكنهم من الجدران أو الأسقف، ويعيش 8% منهم في منازل مصنوعة من مواد بناء خطرة مثل الزنك.
ووجدت الدراسة أن ثمة رابطا مباشرا بين ظروف السكن المتردية والصحة المتدهورة في صفوف الأفراد الذين شملهم المسح، فنسبة 31% منهم تعاني من أمراض مزمنة، ويعاني 24% من أمراض حادة.
ويشكل الانقسام السياسي والطائفي في البلاد حجر عثرة أمام قيام لبنان بالإيفاء بالتزاماته الدولية حيال تحسين ظروف معيشة اللاجئين الفلسطينيين، رغم قيام وكالة الأونروا ومنظمة العمل الدولية بممارسة ضغوط على الحكومة لتخفيف القيود الشديدة المطبقة على اللاجئ الفلسطيني دون غيره داخل البلاد.
الجزيرة نت