من المقرر أن تطأ قدما الرئيس الأمريكي باراك أوباما، منطقة الشرق الأوسط صبيحة غدٍ الأربعاء، العشرون من الشهر الجاري.
وجميع دول المنطقة، تتأهب لزيارة أوباما، وتُرفع الأقلام وتجف الصحف عند بعضهم، بيد أن الحساب يبدأ عند آخرين، وكل دولة آملة بتحقيق مصالحها، خلال جولة أوباما.
وتجسد زيارة أوباما للمنطقة، لعبة الشطرنج، التي تجعل من الملك متحكماً بزمام الأمور، ويمحو خصمه أو من يقف أمام ناظريه، كما يصفها محللون أنها زيارة رامية لفرض كلمة على السلطة الفلسطينية، وسير عملية السلام بين الجانب الفلسطيني و"الإسرائيلي".
ويشعر الفلسطينيون بالإحباط خاصة بعدما كشفه الإعلام الأمريكي، أن إدارته تميل بزاوية كبيرة نحو تل أبيب, في ظل اجتماعات أوباما مع جمعٍ من الزعماء اليهود الأمريكيين في البيت الأبيض, وكذلك إبلاغ ضيوفه من زعماء القيادات اليهودية أنه يضع جملة من الأهداف لزيارته إلى "إسرائيل".
"يشعر الفلسطينيون بالإحباط خاصة بعدما كشف الإعلام الأمريكي، أن إدارته تميل بزاوية كبيرة نحو تل أبيب"
وتتمثل الأهداف في التشديد على الالتزام الصلب للولايات المتحدة تجاه "إسرائيل", والتأكيد على إدراكه لحقيقة أن الشرق الأوسط يتحول إلي منطقة قاسية جدا بالنسبة "لإسرائيل" مع تحديات صعبة من قبل مصر وسوريا وإيران, وأنه بالتالي يجب على الولايات المتحدة أن تقف بحزم إلى جانبها، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية, معترفا في الوقت نفسه بضآلة هذا الاحتمال, وهو ما أصاب الفلسطينيين والعرب بالإحباط.
فيتو للمصالحة
فيما يخص الجانب المحلي الذي لم يتطرق إليه أوباما مع الزعامات اليهودية، المتعلق بتحقيق المصالحة الفلسطينية، فقد تلقى الرئيس محمود عباس اتصالاً هاتفياً من قبل السفارة الأمريكية في رام الله، أبلغته بوجود فيتو أمريكي على إتمام المصالحة الفلسطينية، وأنه يجب إعطاء فرصة لمهمة وزير الخارجية الأمريكي الجديد جون كيري لإحياء عملية التسوية.
توقُف ملف المصالحة، يؤكد أن الأمر مرتبط بزيارة أوباما للشرق الأوسط، في حين أن عباس يذهب باستمرار للقاهرة، لبحث ملفات المصالحة، ويغادر قبل حسم أي من الملفات الخمس وتحديداً ملف المنظمة والحكومة والانتخابات، وهي أبرز الملفات على الساحة الفلسطينية، التي تجعل من المصالحة آخذة بالاتجاه السليم.
وهذا ما يفسر الضغوط التي يتعرض لها عباس من الإدارة الأمريكية، فيما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية، وأن ما يحصل من تجاذبات بين الطرفين – حماس وفتح-، قائم بذاته على تصلب العقلية، وتمسكها بقرارات خارجية، وأوامر إن عصتها وقع على رقبتها حدُ الجلاد.
الإدارة الأمريكية لن تسمح بانهيار سلطة رام لله، التي تؤدي دوراً وظيفياً في المنطقة يخدم مصالح (إسرائيل)، ما يجعل آمال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تزداد بانتهاء أزمات سلطته السياسية والمالية، خلال جولة أوباما التي أوضح مراقبون أنها ستستمر لـ 4 ساعات فقط بالضفة المحتلة.
مفاوضــات
أما في جانب استئناف المفاوضات (الإسرائيلية – الفلسطينية)، قد تكون مدرجةً على طاولة زيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة، وفق ما أعلنه للزعماء اليهود أثناء اجتماعاتهم مع أوباما، فالمفاوضات المجمدة منذ الحرب على غزة، نهاية 2008، رغم استئنافها خلال أيلول 2010، بضغوط أميركية، لم ينتج عنها شيء، جراء رفض نتنياهو مطالب دولية وفلسطينية بتجميد الاستيطان.
"توقُف ملف المصالحة، يؤكد أن الأمر مرتبط بزيارة أوباما للشرق الأوسط.
"
ديوان رئيس الحكومة "الإسرائيلية"، بنيامين نتنياهو، ألمح إلى احتمال تجميد البناء في المستوطنات "المعزولة"، كما يحلو للاحتلال "الإسرائيلي" تسميتها، والواقعة خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، مقابل استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بقيادة الإدارة الأميركية، وتنفيذ الفلسطينيين خطوات مثل التعهد بعدم التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، في خطوة تبدو تمهيداً لزيارة أوباما "لإسرائيل" وفلسطين.
حاييم مالكا –إسرائيلي- يعمل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أوضح أن أوباما سيستغل اجتماعاته المباشرة، لإقناع كلا الطرفين بالإحجام عن القيام بأعمال استفزازية أحادية الجانب، من شأنها أن تلحق بهما الهزيمة.
كما أن الزيارة تأتي في وقت تشهد فيه "إسرائيل" موجة من التغيير السياسي، حيث بدا واضحاً تراجع سلطة نتنياهو في انتخابات كانون الثاني، وما واجهه من صعوبات في سبيل تشكيل الحكومة، التي خرجت إلى النور أخيراً بعد مفاوضات صعبة.
وفي ظل تشكيل حكومة جديدة في "إسرائيل"، لا يمكن توقع إتمام اتفاقات بشأن أية مبادرة كبرى، وتلك المحادثات الآن قد تعمل على تشكيل تلك القرارات التي سيجري التوصل إليها في الأخير، ولا سيما أن الولايات المتحدة الأمريكية وجهت اتهاماً لنتنياهو، ينص على أنه كان يعمل على ترجيح كفة المرشح للانتخابات الأمريكية، ميت رومني ضد أوباما خلال جولة الانتخابات، وهذا ما أوضحه بين رودز، نائب مستشار الأمن القومي لدى إدارة أوباما.
تلميع للصورة
سيسعى أوباما خلال زيارته إلى تحسين صورته أمام "الإسرائيليين"، والذين يتعاملون معه بشكٍ وحذر، وأيضاً ليتعامل مع المنتقدين له في الولايات المتحدة، ممن فسّروا عدم تمكنه من السفر إلى هناك خلال ولايته الرئاسية الأولى، باعتبارها إشارة دالة على أنه أقل تأييداً من سابقيه للدولة اليهودية، وكذلك مع الفلسطينيين المحبطين.
"الزيارة تأتي في وقت تشهد فيه "إسرائيل" موجة من التغيير السياسي"
زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة، سوف تشكل حدثاً استثنائياً بكل تأكيد، في حين يرى محللون، أنها قد تكون زيارة بروتوكولية في ظل موقف نتنياهو، المتصلب إزاء استئناف عملية السلام والالتزام بالشروط المطلوبة من وقف الاستيطان.
وتستقبل الحكومة "الاسرائيلية" الجديدة أوباما بخطة لبناء 16 ألف وحدة استيطانية، عشية وصوله المقررة يوم غد الأربعاء، على رغم التعليمات التي أصدرها نتانياهو، قبل تشكيل حكومته الجديدة، بعدم الإعلان عن خطط استيطانية جديدة حتى انتهاء زيارة أوباما.
وهذا يمثل تصعيد في الحكومة "الإسرائيلية"، حتى تكسب أكبر قدر ممكن من المطالب، ولتقليص التنازلات التي يمكن لها أن تتخلى عنها، لاستكمال المفاوضات مع السلطة.
صحيفة هفنغتون بوست الأميركية نقلت عن آرون دافيد ميلر، الذي عمل كمستشار لشؤون الشرق الأوسط لست وزارات للخارجية، ويعمل الآن في مركز وودرو ويلسون الدولي، قوله "لا ترتبط الزيارة بإنجاز أي شيء الآن، بل هي ما أُطلِق عليها رحلة دفعة أولى".
وأحداث المنطقة الحبلى بالتطورات الميدانية، ستوضع أمام بصر أوباما للنظر فيها، بيد أنه سيهمل الكثير منها، وسيحدد ساعات لإجراء زياراته المؤكدة بالبروتوكولية، وسيستخلص منها تعنت "إسرائيلي"، وتصلب بعقلية الاحتلال، والتمسك بالقرارات الرامية لفرض كلمة الطرف "الإسرائيلي" على الدول العربية، وبالتالي تأييد أمريكي لتلك القرارات، ورفض الاقتراحات التي تتعارض معها، وكأنها تقول لـها "كش ملك".