عندما تطأ قدمك ما يسمى بالمنزل، تشعر وكأنك تدخل جحراً للفئران، جدران مهشمة مطبخ بلا روح.. غاز طهي أنهكه الصدأ.. ثلاجة لا تحتوي إلا على لقيمات خبز.. حمّام يجهل اسم الحداثة.. وخزانة ملابس عطرتها الرطوبة.
بيت الحاج منصور (60 عاماً) في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، يضم بين جدرانه –على الرغم من عدمها- زوجته واثنين من اولاده في عقدهما الثاني، وتأبي "الفئران" إلا العيش معهم.
الحاج منصور يعاني أمراضاً مزمنة، تبدأ بقصر النظر وضغط الدم، مروراً بانفجار في القولون ومرض بالقلب، انتهاءً بنقص الكالسيوم وهشاشة العظام، وكل ذلك ليس على سبيل الحصر.
جزء من تلك الأمراض يتقاسمه الحاج منصور مع زوجته، التي تعاني هي الأخرى تقلّصات في العامود الفقري، وانحناء في أسفل الظهر، فرض عليها "إقامة جبرية" وألزمها البيت.
الابن الأول لم يرِث من أبيه -الذي لايزال على قيد الحياة- سوى المرض والهم، وأخذ عن أمه عادة الجلوس في البيت عنوةً، بينما الآخر (معيل البيت) يعمل في بيع الخضروات لقاء 300 شيكل شهرياً.
"لا يصلح منزلنا لعيش الحيوانات"، هكذا يصف الحاج منصور أقل ما يسمى بالبيت، ويضيف "في الشتاء سقط السقف فوق رؤسنا وغمرتنا الأمطار"، الامر الذي دفعهم لطلب النجدة من الجيران.
في ثلاجة البيت، زجاجات مياه طغت عليها بردوة الاحساس بالفقراء، وبجانبها خمس حبات من ثمار البندورة، أحضرها الابن الأصغر عند العودة من عمله، لتكون وجبة لغداء اليوم.
ثلاجتهم -تبرع بها فاعل خير- تعدّ بمنزلة تحفة للزينة، لا تحوي سوى الأشياء سالفة الذكر، إضافة إلى كيس خبز جاف، حصلوا عليه كصدقة جارية من أحد الجيران.
ومن الثلاجة إلى بيت الراحة، وعند دخولك يأخذك المشهد إلى العصر الحجري، حيث لا يحتوي الحمّام على مكان لقضاء الحاجة أو حتى صنبور مياه، الأمر الذي دفعهم لاستخدام أواني الطبخ.
وإلى جانب الحمّام غرفٌ للمعيشة والنوم من العيب أن يطلق عليها ذلك الاسم، حيث أنها تحتضن الفئران كما أفراد الأسرة، ففي كل غرفة لا بد من وجود بيت لتلك الكائنات المقززة.
تنظر زوجة منصور، مشيرة بأحد أصابعها نحو جحر فأر، وتقول: "حضر جارنا قبل أيام يحمل بعضاً من مادة الأسمنت، على أمل إغلاقها، وما لبثت إلا أن خرج الفأر منها".
وضع الأسرة أقل ما يوصف بـ "المأساوي"؛ نظراً لانعدام مقومات العيش الأساسية، وتنظر العائلة الصابرة بعين الأمل لفاعل خير يخرجها من ظلمات الفقر، إلى نور الحياة.