مؤتمر " هرتسيليا " ... "الأمن فوق كل شيء"

نتنياهو اثناء القاء كلمتة فى مؤتمر
نتنياهو اثناء القاء كلمتة فى مؤتمر

باسم عبد الله أبو عطايا

 

 يشكل "مؤتمر هرتسيليا للأمن والمناعة القومية" الذي ينظم منذ عشر سنوات عملة ذات وجهين: الأول تقديم مراجعة شاملة لمصادر التهديد كما يراها  الإسرائيليون لكيانهم  باعتبار المناسبة تعبر عن تفكير بصوت عال للعقل الاستراتيجي الإسرائيلي في مختلف مواقعه، والوجه الثاني مناسبة دعائية تحتمل تمرير ما تريد أن توصله مراكز صنع السياسات الإسرائيلية للعالم وللمحيط الإقليمي، وتحديداً في الشؤون الاستراتيجية والأمنية.

 

ولعل من المفيد الانتباه إلى أن الجديد في هذا العام هو تكرار الأطروحات التقليدية التي تحكم الخطاب الدعائي الإسرائيلي منذ خمس سنوات على أقل تقدير والمتمثلة في المشروع النووي الإيراني، والتأكيد على أن مسار النمو الاستراتيجي يتواصل مع الزمن من دون وجود رادع دولي، وفيما كان نائب رئيس هيئة الأركان "بيني غينتس" لا يستبعد الخيار العسكري في مواجهة تعاظم القوة الإيرانية.

 

الهدف الاقتصادي

 

 أختتم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤتمر هرتسيليا العاشر، الأربعاء الماضي، بخطاب كشف فيه حقيقة توجهات حكومته السياسية – الأمنية، إذ طغت النقاشات الأمنية على أعمال المؤتمر.

 

وقال نتنياهو إن هدف سياسته الأساسي والمركزي هو تحقيق النمو الاقتصادي كضمانة لاستمرار التسلح وتطوير الجيش، موضحاً أن لا أمن من دون اقتصاد متين.

 

وبناء على تصريحات نتنياهو فإن تحقيق النمو الاقتصادي يحتاج إلى عملية سياسية تفاوضية مع الفلسطينيين، ليس بالضرورة أن تنتهي عند تسوية.

 

 أي مفاوضات من أجل النمو الاقتصادي لضمان أمن "إسرائيل" واستمرار تسلحها تمهيداً لحرب أو مواجهات وشيكة.

 

في المؤتمر ذاته، ، برزت هذا العام مشاركة رئيس وزراء سلطة رام الله سلام فياض، ليس بسبب فحوى خطابه أو الكشف عن مواقف، بل لمشاركة شخصية سياسية فلسطينية رفيعة في مؤتمر يبحث في استراتيجيات "إسرائيل "الأمنية ومن ثم السياسية.

 

وجاءت مشاركة فياض إلى جانب مشاركة شخصية سورية وصفت بالمعارضة للنظام السوري وغيرها من الشخصيات العربية.

 

إصرار على العدوان

 

إصرار إسرائيل على التمسك بسياستها الحربية العدوانية، كما انعكست في الحرب الإجرامية على غزة، وذلك بحجة أنها وسيلتها الوحيدة لحماية "كيانها المزعوم"، ولمواجهة ما يسمى بـ "الخطر الإيراني"، أو كقول رئيس الحكومة ، بنيامين نتنياهو، إنه لا بديل من القوة العسكرية في الشرق الأوسط، وقول وزير الشؤون الإستراتيجية، موشيه يعالون، إن إسرائيل لا يمكنها إلا الاعتماد على نفسها من أجل مواجهة إيران.

 

هذا الهجوم الصهيوني في تفسير الحاجة للعدوان للحافظ على الأمن انعكس بوضوح فى  كلمة رئيس "هيئة أركان الأمن القومي" في مكتب نتنياهو ، عوزي أراد، وهو مؤسس مؤتمر هرتسيليا، على تقرير لجنة غولدستون حول فظائع العدوان على غزة، اعتبره  تقريرًا آثمًا، بينما اعتبره نائب رئيس هيئة الأركان العامة، الجنرال بيني غانتس، إنه بمثابة "حصان طروادة الذي يهدّد بأمن" إسرائيل".

 

 

 

وفقًا لوقائع المؤتمـر، فإن ما يقف في رأس المخاطر الإستراتيجية، التي تتهدّد الأمن القومي الإسرائيلي حاليًا، هو أولاً، مشروع إيران النووي وتعاظم تسلح سورية وحزب الله و"حماس"؛

 

 ثانيًا، تفاقم حملة النقد الدولية لسياسة "إسرائيل" العدوانية.

 

أمّا العنوان الثاني للمؤتمر، فهو إجماع القوى السياسية الإسرائيلية كافة، سواء التي في السلطة أو التي في المعارضة، على أن سياسة الإدارة الأميركية الحالية، برئاسة باراك أوباما، إزاء "إسرائيل" وقضايا الشرق الأوسط، لا تختلف، في الجوهـر، عن سياسة الإدارات الأميركية السابقة، بل وحتى عن سياسة إدارة جورج بوش. وبالتالي فمن غير المتوقع حدوث صدام حقيقي بين الجانبين.

 

السفير الأميركي في إسرائيل، جيمس كنينغهام، الذي ألقى كلمة في المؤتمر، أكد أن الولايات المتحدة تقوم بإجراءات مضادة في مواجهة ما أسماه "حملة نزع الشرعية عن إسرائيل" (وهو التعبير المتعارف عليه لتوصيف حملة الانتقاد الشديد لسياساتها الحربية) موضحًا أن "من المهم أن يعترف العالم العربي "بإسرائيل" دولة يهودية وديمقراطيـة".

 

عقدة الخوف

مستشار الأمن القومي الإسرائيلي عوزي أراد، ونائب رئيس الأركان بيني غينتس، استعرضا وجهة نظرهما حول قضايا مختلفة. ويلقي المؤتمر الضوء على الرؤية الأمنية الإسرائيلية، ويعكس إلى حد ما توجهات دائرة صنع القرار على الصعيد الأمني، والسياسي الذي يعتبر الأمن مركبا هاما فيه.غينتس  تحدث عن «التهديدات» التي تواجه إسرائيل ، والمتمثلة بتحميل لبنان كدولة مسؤولية اندلاع أي مواجهات في الشمال. كما شن هجوما عنيفا على تقرير لجنة "غولدستون" ومن يقف على رأسها، وأشاد بالجهود المصرية لتضييق الخناق على قطاع غزة .

 

وقال غينتس إن سوريا تعمل على تعزيز قواتها وتتزود بصواريخ بعيدة المدى. فيما تتيح الحكومة اللبنانية لحزب الله العمل في لبنان بحرية، لهذا «نراها مسؤولية في حال اندلاع مواجهات».وعن قطاع غزة قال إن «عمليات التهريب تتواصل وحماس تواصل تعزيز سيطرتها على قطاع غزة»

 

وعن مصر قال غينتس، إنها تعمل بشكل جيد لمنع التهريب إلى قطاع غزة، فيما تستغل التنظيمات الفلسطينية «كل فجوة ممكنة من أجل تهريب وسائل قتالية»،

 

ودعا غينتس إلى إعداد منظومة لتقديم المساعدات الإنسانية خلال الحروب لتغيير النظرة "لإسرائيل"، وذلك برأيه من  أجل «إقناع العالم أن الخصم يتحول من معتدي إلى ضحية».

 

تهافت على التطبيع

 

من بين المواضيع المثيرة للجدل فى هذا العام حول مشاركة سلام فياض التي  تعكس بؤس ما يمثله من موقع وموقف.  فهو كما اكد عدد من المحللين كان يستخدم مفردات فيها تحد سياسي، إلا انه مندمج إلى أقصى حد في ما يسمى "السلام الاقتصادي" الذي يروج له نتنياهو والذي لا يعدو كونه تجميلا للاستعمار الإسرائيلي وهدر للحق الفلسطيني.

ويجب أن نذكر انه وفي حين تجري في العالم وتضامنا معنا كشعب فلسطيني ، حملات مقاطعة "إسرائيل "بمؤسساتها الأمنية والاقتصادية والأكاديمية وحملات عربية لرفض تطبيعها ومساع لمحاكمة حكامها كمجرمي حرب، فان أي مشاركة عربية تسدد ضربة لأصدقاء شعبنا ولعدالة قضيته وإنقاذا لسمعة "إسرائيل" أو بشكل أدق سيجري استخدامها لتبرير "ديمقراطية" إسرائيل. وللأسف إن التقطيع الفعلي لحركات المقاطعة كان دائما فلسطينيا بدلا عن تعزيزها.

 

 ان مشاركة شخصيات فلسطينية في مؤتمر حول الأمن القومي الإسرائيلي: لا يمكن أن نقبل الادعاء القائل إن هذه المشاركات لا تقدّم ولا تؤخر، ذلك بأنها تؤخر لكونها تضمر تهافتًا على التطبيع مع السياسة الإسرائيلية، في وقت يُفترض فيه محاصرة هذه السياسة، في موازاة محاصرتها عربيًا ودوليًا. فضلاً عن ذلك فإن حصيلتها العامة هي إثارة بؤر توتر جديدة داخل الصف الوطني، وإضعاف وحدة الصف إزاء القضايا الجوهرية ، كما أنها لا تؤثر في أصحاب القرار ولا في أوساط الرأي العام اليهودي، وتراهن على مجرّد أوهام.

 

 يقدم مؤتمر هرتسليا صورة مقربة عن الأزمة الاستراتيجية المتمثلة في محدودية الخيارات الداخلية وحالة من عدم الثقة والوضوح الاستراتيجي، وهي انعكاسات تراكمت منذ حرب تموز  2006 مروراً بالحرب على غزة وصولاً إلى الإرباك في التعامل مع تقرير لجنة غولدستون.صحيح أن خلاصة الرؤية الإستراتيجية التي يخرج بها هذا المؤتمر في كل عام تصل إلى حقيقة إسرائيلية مفادها "الأمن فوق كل شيء" لكن كل ذلك لا يمنع أن تكون هذه الرؤية أحد عناصر التضليل التي تلجا إليها إسرائيل كلما أرادت إعادة خلط الأوراق فيما تدرك أن التاريخ لا يعمل لصالحها.

البث المباشر