"أبي اعتقلوك قبل أن تُقبلني قبلةً واحدةً!".. كلمات خاطبت بها الطفلة الفلسطينية ابتسام, والدها الأسير جمال عبدالناصر النوري 31 عاما, المضرب عن الطعام في السجون "الاسرائيلية" منذ 35 يوما.
والأسير النوري من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة, متزوج ولديه طفلتان هما "ابتسام ومنار", وقد اعتقل عندما كانت ابتسام في رحم أمها, أما منار كان عمرها 13 شهرا.
وقالت ابتسام في حديث لـ"الرسالة نت" وبريق الدمع ينعكس من عيناها, إنها كبرت وترعرعت على سيرة والدها الأسير دون أن تراه أو يحتضنها كباقي أطفال العالم.
تعشق الطفلة الاستماع لسيرة أبيها من والدتها وجدتها, وتقضي ساعات كل ليلة لتصفح رسائله التي خطها لها بيده في سجون الاحتلال.
اعتقل الأسير النوري عام 2002 من معبر رفح البري قبل الإنسحاب "الاسرائيلي" من غزة بتهمة الإنتماء إلى حركة حماس وذراعها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام.
تُعلِقُ ابتسام 10 أعوام صور والدها في أرجاء البيت كافة, وتفضل دائما ارتداء بزةٍ كُتب عليها "سنحيا كراما".
ويخوض النوري الإضراب عن الطعام للمطالبة بحقه في "الشيلش"، وهو قانون "إسرائيلي" يقضي بالإفراج عن الأسير بعد قضاءه ثلثي الحكم, وللمطالبة أيضا بالسماح لطفلتيه بزيارته.
وأضافت ابتسام أن والدها "قضى أكثر من عشرة أعوام ونصف من حكمه البالغ 13 عاما", وهي على أمل أن يرضخ الاحتلال لمطالبه بمعركة الأمعاء الخاوية".
واستدركت الطفلة بالقول: "نخشى أن ينعكس الإمتناع عن الطعام والشراب سلبا على حياته ، وندعو العالم لتحقيق العدالة للأسرى الفلسطينيين سريعا".
يقبع الأسير النوري في عزل "إيشل" بسجن بئر السبع, ويحاول الاحتلال إكراهه على تناول الفيتامينات الأمر الذي يرفضه.
ترسم ابتسام والدها الأسير في كراستها كل صباح، وقد كسر القيد عن معصميه وراح يحلق حرا في فضاء خيالها.
وأشارت إلى أنها تُحدِّثُ أطفال مدرستها عن والدها وتشارك في الإذاعة المدرسية للحديث عنه وعن معاناة الأسرى.
منار إبنة الأسير النوري 11 عاما بدت كزهرة ذابلة وهي تتحدث لـ"الرسالة نت" عن شوقها لوالدها, متمنية أن ينال الحرية ليرويها بحبه وعطفه.
تطوف منار بعينيها الواسعتين أرجاء الحجرة, وتحبس أنفاسها قبل أن تُثنِي على خطوة والدها بالإضراب عن الطعام.
وباحت منار برسالة والدها التي نقلت للعائلة على لسان أحد الأسرى بأن "الإضراب عن الطعام السبيل للحرية وسيتمسك به حتى يرى النور".
تتمالك والدة الأسير الحاجة أم حسام نفسها بصعوبة وهي تستمع لحديث طفلتيه عن الألم الذي ألم بهما لغياب والدهما.
وقالت "إن الوضع الصحي لابنها جمال سيئ’ وقد يتدهور بشكل مفاجئ بعد أن خسر 12 كيلو من وزنه بفعل الإضراب".
وأضافت أن "جمال أضرب عن الطعام منذ 35 يوما لينتزع حقه من الاحتلال, فيما يعرف بالشيلش وليسمح لها ولبناته بزيارته".
وأوضحت أم حسام أنها لم تزر ابنها الأسير منذ ما يزيد عن 8 أعوام، جراء منعها من قبل الاحتلال "الاسرائيلي".
ولفتت إلى أن إبنها الأسير نقل للمستشفى أكثر من مرة لإجراء فحوصات, لضغط الدم والسكر, كما أن الاحتلال صادر ممتلكاته الشخصية وهو في العزل.
أبرق الأسير جمال برسالة إلى عائلته بأن لا تتلقى خبر فك الإضراب إلا منه شخصيا, بعد أن روًّج الاحتلال أكثر من مرة أنه أنهى إضرابه، لوأد أي تضامن شعبي مع قضيته.
ودعت أم حسام جامعة الدول العربية والأمم المتحدة للتحرك العاجل من أجل نصرة الأسرى الفلسطينيين قبل فوات الأوان.
كما ناشدت رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالتدخل شخصيا لإنهاء معاناة الأسرى وخاصة المضربين عن الطعام.
اعتقال الأسير النوري ومحاكمته بالسجن لثلاثة عشر عاما شكل تحديا كبيرا ومنعطفا في حياة زوجته "أم منار" التي لم يمر على زواجها عامين.
وقالت لـ"الرسالة نت" إنها "إحدى نساء فلسطين اللواتي ابتُلين بغياب الزوج إما شهيدا أو أسيرا", مؤكدة أنها نجحت في تربية طفلتيها كما يحب زوجها وتمسكت بعهدها معه.
وتخطت أم منار بصبرها على غياب زوجها عقبات الحياة كافة, مبدية الفخر به وبتضحياته من أجل رفعة دينه ووطنه.
تخيم على نفس زوجة الأسير النوري غيمة حزن كبيرة هذه الأيام ، لتدهور صحته بفعل الإضراب عن الطعام.
وأبدت أم منار قلقا عميقا على حياته لاستشهاد عدد من الأسرى نتيجة الإضراب والإهمال الطبي المتعمد بحق الأسرى المضربين.
حدّقت النظر طويلا في صورة زوجها جمال بحجرة الضيافة, راجية أن يكون بخير ويرى حريته قريبا بعد أن طرق بابها بالإضراب المفتوح عن الطعام.