قائد الطوفان قائد الطوفان

جيش لحد جديد في الجولان برعاية أردنية

جيش الإحتلال في الجولان(الأرشيف)
جيش الإحتلال في الجولان(الأرشيف)

د. صالح النعامي

لقد باتت الأمور الآن أكثر وضوحاً، فهناك ما يدل على بدء تبلور توافق عربي أمريكي (إسرائيلي) بشأن التعاطي مع الشأن السوري. وما يهم هنا هو التركيز على الثقل الكبير لاعتبارات (إسرائيل) الأمنية والاستراتيجية في هذا التوافق المتبلور.

وكما يرشح داخل (إسرائيل)، فإن هناك إجراءات يتوجب القيام بها من أجل تهدئة المخاوف (الإسرائيلية)، والتي تتمثل في تحول الجولان إلى نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات ضد العمق (الإسرائيلي)، واستخدام الأسلحة الكيماوية والصواريخ بعيدة المدى الموجودة في الترسانة السورية ضد (إسرائيل)، في حال سقط النظام.

إن تحقق هذين السيناريوهين يعني استنزافا غير مسبوق لآلة الحرب (الإسرائيلية)، لدرجة أن رئيس أركان الجيش (الإسرائيلي) بني غانز شبه الجبهة السورية في حال تحققت هذه المخاوف بأنها ستكون أخطر من جبهة غزة ولبنان عدة مرات.

ولقد بات واضحاً الآن أن الهدف من اللقاءات السرية الأربعة التي أجراها رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو مع عبد الله ملك الأردن في عمان خلال الأشهر الماضية، والتي أكدت (إسرائيل) انعقادها إنما هدفت إلى بحث سبل مواجهة التحولات الأمنية التي سيسفر عنها سقوط نظام الأسد.

لقد كان ألوف، رئيس تحرير صحيفة الصفوة "هارتس" هو من كشف النقاب عن أن الأردن و(إسرائيل) يبحثان إمكانية تشكيل قوة من السوريين ترابط في منطقة الجولان وذلك لمنع الثوار من استهداف (إسرائيل) بالصواريخ بعد سقوط نظام الأسد، مشيراً إلى إن الولايات المتحدة تعتبر شريكا رئيسيا في المباحثات الأردنية (الإسرائيلية).

وبكلمات أخرى، فإن القوة السورية التي يخطط لتشكيلها حالياً ستعمل على إيجاد حزام أمني في العمق السوري لا يسمح بدخول قوات وجماعات يمكن أن تستهدف (إسرائيل). وفي الوقت ذاته يبحثون إمكانية تدخل أمريكي (إسرائيلي) أردني للسيطرة على مخازن السلاح الكيماوي في حال ظهرت دلائل على إن النظام يوشك على السقوط.

استنساخ جيش لحد

ويتضح من الجدل (الإسرائيلي) الداخلي إن سيناريو الرعب الذي تخشاه المؤسسة العسكرية هو أن يضطر الجيش (الإسرائيلي) إلى اقتحام الجولان وإقامة حزام أمني على غرار الحزام الذي أقامه في جنوب لبنان بعد حرب 1982، والذي كانت تجربته بالغة القسوة بالنسبة لـ(إسرائيل)، لأنه سيورط الكيان الصهيوني في صراع طويل ومرير ودام، وسيعمل ليس فقط على إطالة أمد المواجهة مع بيئة سورية متحولة، بل إنه سيستدعي تفجير ساحات أخرى قريبة وبعيدة.

وقبل كل ذلك، فإن إقامة حزام أمني داخل الجولان من قبل الجيش (الإسرائيلي) يعني استنزاف قوة (إسرائيل) العسكرية، في الوقت الذي يكون المطلوب منه مواجهة تحديات على ساحات أخرى (غزة، إيران، لبنان).

ومما يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة لـ(إسرائيل) حقيقة أنه سيكون من المستحيل على الآلة العسكرية (الإسرائيلية) مراكمة الردع أمام سوريا الدولة، على اعتبار أنه يتوقع على نطاق واسع ألا يكون هناك عنوان سلطوي واضح قادر على فرض إرادته على بقية أجزاء سوريا، علاوة على أن الردود العسكرية (الإسرائيلية) في قلب سوريا ستزيد الأمور تعقيداً فقط، وتكون بحد ذاتها مسوغا لردات فعل مضادة، بحيث تصبح الجبهة السورية ساحة مفتوحة لكل من يريد إغلاق حساب مع (إسرائيل) دون أن يتورط في فتح مواجهة انطلاقاً من ساحته الخاصة.

وهذا ما يدل على الدور الحاسم والكبير للدور الأردني في تدشين القوة السورية التي تطالب (إسرائيل) بإرسالها إلى المنطقة التي تسيطر عليها سوريا في الجولان.

حماية بدون تبعات

فالخيار الأفضل بالنسبة لـ(إسرائيل) هو إيجاد قوة محلية سورية تتولى القيام بمهمة الحفاظ على الحدود في الجولان، أي محاولة إيجاد نسخة " مطورة " لتجربة جيش لبنان الجنوبي في الجولان، حيث أنه بخلاف تجربة جيش لبنان الجنوبي، فإن القوة السورية التي يرغبون في دفعها للتمركز في الجولان لن تكون على علاقة علنية بـ(إسرائيل)، فلذلك لن تتحمل (إسرائيل) أي تبعات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية إزاءها أو إزاء ما ستقوم به.

وفي (إسرائيل) يفترضون أنه في حال كانت هناك قوة من الثوار تقبل القيام بهذا الدور، فيجب أن يتم مدها بالسلاح لكي تتفوق على سواها، وفي الوقت ذاته ترى أهمية كبيرة لإبقاء العلاقة معها تحت السطح، حتى تتمكن من أداء دورها في ظل أقل قدر من التشويش من الأطراف الأخرى.

 لقد بات صناع القرار في (تل أبيب) يعون حجم التعقيد الناجم عن التطورات في سوريا، وهذا ما دفع نتنياهو للقول إن مجموعة المخاطر التي باتت تهدد (إسرائيل) أكبر مما كانت عليه. ففي (إسرائيل) باتوا يعون أن 40 سنة من الهدوء الذي ساد بعد انتهاء حرب 1973 انتهى.

البث المباشر