أثيرت مؤخرا في وسائل الإعلام قضية هامة جديرة بالتحليل وتسليط الضوء عليها ألا وهي الرحلات التي تقوم بها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في قطاع غزة لمجموعات من طلابنا وطالباتنا المتفوقين لزيارة دول أروبية وأمريكية بهدف الترويح عنهم وعرض معاناتهم للآخرين والتبادل الثقافي والمعرفي وهذا ما تسوقه إدارة الوكالة من مبررات وأسباب لهذه الرحلات والتي من وجهة نظرنا كمتخصصين في المجال النفسي نراها تحمل في طياتها مخاطر نفسية واجتماعية على حياة ومستقبل أبنائنا وبناتنا في قطاع غزة.
تعتبر الرحلات والزيارات الميدانية ذات أهمية كبيرة في تنمية الاتجاهات المستقبلية والميول وتفتح الآفاق خصوصاً لدى المراهقين حيث تتكون في هذه المرحلة قيمهم وميولهم وتتحدد معالم شخصيتهم فالرحلات لها دور في تعزيز الشعور بالانتماء والمسؤولية الاجتماعية لدى المراهقين وتعلمهم تهذيب السلوك ومشاركة الآخرين وتسهم في تحديد اتجاهاتهم المستقبلية واكتشاف المواهب والطاقات وتعزز مبدأ التعلم بالملاحظة المباشرة بالإضافة إلى الفوائد النفسية والمعرفية والمهارية التي يكتسبها الطلاب.
ومما لا شك فيه أن مرحلة المراهقة مرحلة حرجة من مراحل حياة الإنسان لها متطلباتها واحتياجاتها ويرافقها تغيرات نفسية وعاطفية واجتماعية وعضوية كثيرة ومعقدة ومعروف لدى علماء النفس وحسب نظرية التحليل النفسي (Psychoanalytic Theory) بأنه إذا لم يتم إشباع احتياجات ومتطلبات أي مرحلة من مراحل عمر الإنسان يتولد عنها كبت وحرمان وصراع نفسي داخلي وربما ينشا عنها انحراف أو سوء تكيف وعدم توازن نفسي في المراحل اللاحقة ومن الجدير بالذكر أن الكثير من الآباء لا يقدرون تلك التغيرات الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية لتلك المرحلة ويجدون صعوبة في التعامل مع أبنائهم واحتوائهم وتلبية رغباتهم وميولهم وهذا ما يدركه بالطبع القائمين على تلك المشاريع فهم يدركون تماما الأبعاد والمخاطر النفسية والاجتماعية لتلك الرحلات على أبنائنا ومستقبلهم.
إن خروج المراهقين في هذه السن وفي هذه المرحلة الحرجة من حياتهم في رحلات إلى أوروبا وأمريكا يحمل في طياته مخاطر جمة، قد ينبهر المراهق برقي الحياة الغربية وما يراه من حضارة ومدنية وتقدم في شتى مناحي الحياة ويجعله يعيش في حالة من الصراع الداخلي وهو يجري مقارنة بين أحوال البلاد والعباد في بيئته وأحوال البلاد التي يزورها بالإضافة إلى المعلومات المغلوطة والأفكار المشوهة التي تقدم لهم وتكون نتيجة هذا الصراع والتفكير والانبهار والمقارنة يحدث شرخا في تفكيرهم وانفصاما في فهمهم وتتولد لديهم مشاعر سلبية بفقدان الانتماء لبلده وأهله وشعور بالدونية والانهزامية والتخلف أمام مظاهر التمدن والحضارة التي يراه في تلك البلاد وعندما يعود من رحلته يشعر بصعوبة كبيرة في التكيف والتعايش والاندماج في بيئته ومجتمعه, فتراه يعيش في أحلام اليقظة ويحدث لديه تغيرات في السلوك مثل التمرد والنقد والاعتراض على كل ما يخالف ما رآه في تلك البلاد التي زارها ويجري مقارنات بين ما شاهده وما يعايشه هنا ويجعله يتمرد على واقعه وبالطبع لا يستطيع أن يغير هذا الواقع فيشعر بالإحباط واليأس وخيبة الأمل وانخفاض تقدير الذات وتتأثر لديه منظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية وتتشكل لديه اتجاهات وميول مستقبلية سلبية وربما ينتهي به المطاف إلى الفشل في دراسته وحياته الاجتماعية.
علاوة على ذلك, لا أحد ينكر تأثير الثقافة الغربية على أطفالنا من خلال مشاهدة التلفاز وأفلام السينما والكرتون والرسوم المتحركة وتصفح الانترنت وغيرها من وسائل الاتصال الحديث والتي جعلت من العالم قرية واحدة والتي تبث على مدار الساعة صورا وأفكارا ومعلومات تتعارض في معظمها مع ثقافتنا وقيمنا فما بالنا بالمشاهدة العيانية والزيارة الميدانية والملامسة المباشرة لواقع الغرب وحياته بكل ما فيها من ايجابيات وسلبيات كل ذلك يترك آثارا وبصمات على أفكار وخيال وسلوك ومشاعر وشخصية أطفالنا.