يظهرون في كل مكان.. يطاردونك في الأسواق، وعلى أبواب المساجد، وأمام إشارات المرور.. أعدادهم تزداد يوميا، وتتطور أساليبهم. سلاحهم الدموع والأدعية ووصفات العلاج والتقارير الطبية. أدواتهم تبدو قاسية أحيانا، فتجرح كل من يمر بمشهد طفل معاق لم يبق منه سوى الجسد. تحمله سيدة تفترش الأرض وسط السوق، تكاد تدوسها أقدام الباعة والمتجولين: "ونيالك عند الله يا فاعل الخير".
في المقابل: لافتات الجمعيات الخيرية والأهلية تزداد.. تبرعات من الشرق وتمويل من الغرب، بعضها يمارس التسول على طريقة الشحاتين مع اختلاف المسميات، فالمواطن يتسول، والجمعية تطلب تبرعات، والحكومة تنتظر منحا.
أصبح التسول مهنة لا محنة.. ربما مستقبلا يطالبون بنقابة "الشحاتين"، ووزارة من أجل الشحاتين، وربما تؤلف الكتب تحت عنوان: "التجول في فنون التسول".
ما يثير التساؤلات صمت الجهات الرسمية: أين المشاريع والمبادرات؟.. التكافل، التعاون، التنمية، الإغاثة، الإعانة؟.
وإذا كان معظم هؤلاء نصابين أو طماعين، فأين القانون والحملات الشرطية وأخواتها؟.. هل هو صمت العاجز؟.. صمت المذنب؟.. أم صمت المتسول على رأي المثل الشعبي: "لا تعايرني ولا أعايرك.. الهم طايلني وطايلك"..
الشحاتة أصبحت تستند إلى قوانين السوق، وتتأثر بمستويات غلاء المعيشة.. زمان كان يكتفي الشحات برغيف خبز وحبة بندورة، لكنهم اليوم يطلبون النقود، ونفقات علاج، وعيب عليك أن تقدم شيكل فقط.
زمان كان المشهد الكلاسيكي للشحات: شعر منكوش وملابس رثة، اليوم سيدات منتقبات، ورجال "مهندمون"، ويتناقل الناس أخبار شحاتين تركوا تركة محترمة لمن خلفهم.
ونظل نصدم يوميا بتوسلات أطفال بعمر الزهور انضموا حديثا إلى المهنة وهم يرتمون على أجساد المارة، وأجسام السيارات، فيبكون ويدعون.. يذكرونك بأطفالك، ويضعونك في الجنة، ويحولون جيبك إلى وقاية من جهنم.
الخطير أن التنافس بدأ يتصاعد على أبواب المساجد بين الشحاتين، وجامعي الزكاة، وتبرعات المساجد، وأدعيتهم المتسولة تعلو دعاء: "اتقوا النار ولو بشق ثمرة"، و.. "من مال الله والله"، ما يسيئ للمتطوعين من أهل الخير.
على أي حال: لازم نحسم الحال وإلا شحتنا وطنا بالكامل، كما تغنى الشاعر هشام الجخ:
سوف أرحل
ربما يلقاني من أرجو لقاه
هامشى ويا الشحاتين
وابكي على حلمي اللي تاه
بس مش هاشحت رغيف
هاشحت وطن لله
هاشحت وطن لله