65 عاما لم تمحُ ذكريات النكبة من أذهان الأجداد

معاناة الفلسطينين في النكبة 1948 (أرشيف)
معاناة الفلسطينين في النكبة 1948 (أرشيف)

الرسالة نت - لمراسلنا

في بيته المقام في مخيم جباليا للاجئين، يوعز الحاج أبو كمال الخالدي لابنه أن يصب القهوة ترحيبا بالضيوف، فهو مختار ويلجأ الناس إليه للفصل بينهم، لكن الزمن لم يفصل بين الخالدي وذكريات النكبة التي ما تزال عالقة في ذهنه منذ 65 عاما.

 يحفظ الحاج الخالدي تفاصيل النكبة كما لو كان يستحضر مسلسلا ذو أحداث مؤلمة، خاصة أنه عاصر اجواءها قبل الهجرة من بلده كرتيا.

وتعتبر النكبة المأساة الإنسانية الكبرى المتعلقة بتشريد عدد كبير من الشعب الفلسطيني خارج دياره، لذلك أطلق الفلسطينيون هذا الاسم على تهجيرهم حتى اصبح الخامس عشر من مايو يمثل يوما وطنيا للفلسطينيين يحيون فيه     ذكرى نكبتهم الأولى.

ويذكر الثمانيني الخالدي أن الحرب على قريته بدأت عام 1947، مشيرا إلى أن مضايقات اليهود كانت قبل ذلك الوقت بسنين تمهيدا لتلك الحرب.

وتزامن في ذلك الوقت بيع الفلسطينيين لحلي نسائهم لشراء قطع السلاح للمشاركة في الحرب ضد اليهود -وفق قوله.

وقال الحاج أبو كمال "أعتقد أن السماسرة ساعدوا اليهود بشكل كبير على وضع أيديهم في فلسطين من خلال شرائهم للأراضي من الفلسطينيين وبيعها لليهود".

ولفت إلى أنهم اضطروا لمواجهة اليهود بالسيوف والعصي نظرا لعدم توفر السلاح آنذاك وكل ما توفر في بلدته كرتيا بندقية واحدة ومسدس عند ابن عمه أبو فتحي الخالدي.

"

وتعتبر النكبة المأساة الإنسانية الكبرى المتعلقة بتشريد عدد كبير من الشعب الفلسطيني خارج دياره

"

ويروي أبو كمال تفاصيل قيام شباب من بلدته باعتراض سيارة يهودية يستقلها مستوطنان قادمة من مستعمرة كريات جات المحاذية لبلدة بيت عفا، فاعترض شباب من عائلة المغاري السيارة بالسيوف، وتمكن احدهم من طعن المستوطنين ليرديهما قتيلين".

ويتابع " على أثر ذلك الحادث أقدم اليهود على شن هجوم والعبث بمحتويات البلدة وضرب أهلها للانتقام للقتيلين، مما أدى لتنامي المقاومة في كرتيا وحرص أهلها على صد هجوم اليهود".

وبيّن الحاج أبو كمال أن أهل بلدته هاجروا صباح يوم الحادي عشر من رمضان، بعدما استيقظوا على صوت إطلاق النار العشوائي من الطائرات لتشريد أهل البلدة.

وأضاف أبو كمال وهو يمسك خريطة فلسطين بين يديه ويشرح عليها كيفية خروجهم من البلدة "شردنا من كرتيا باتجاه بلدة الفالوجة المحاذية للبلدة من الشرق ومكثنا فيها ما يقارب أسبوع، ومن ثم إلى بلدة الجورة فهربيا ومنها إلى قطاع غزة".

ولم تخنه الذاكرة في استرجاع ذكريات حصاد الذرة الذي كانت تشتهر به كرتيا، والمضايقات التي كان يتعرض لها المزارعون من حرق حقول الذرة وإحاطتها بالألغام حتى لا يستطيع المزارعون الوصول إليها.

ويسترجع الحاج أبو كمال قول أبيه عندما وصلوا إلى القطاع "بدنا نروح عند صاحبي أبو العبد إلى ساكن بمدينة غزة عند السدرة، ونقعد عنده يومين عبين ما يهدى الوضع ونرجع لبيتنا".

وذكر أن بلدته كانت تشتهر بزارعة البصل والثوم والحبوب مثل القمح والذرة والعدس والحمص الذي تصدره للخارج، فضلا عن البندورة والحمضيات.

ووجّه كلمته "للرسالة نت" قبل أن تغادره: "كرتيا بالنسبة لي تعد كل شيء، حتى أحلامي اللي بحلمها على مدار ثمانين سنة كلها من أيام البلاد".

بلدة كرتيا

وأقام الاحتلال على أرض البلدة ثلاث مستعمرات (إسرائيلية)، وهي كومميوت التي أسست سنة 1950، ورفاحا : 1953، ونهورا : 1956 على جزء من أراضي القرية وعلى جزء آخر من أراضي الفالوجة.

"

تبلغ مساحة كرتيا 13،346 دونما، وتبعد بمسافة 29 كم شمال شرقي غزة، وتحيط بها قرى حتا والسوافير والفالوجة وبيت عفا وعراق سويدان.

"

وتبلغ مساحة كرتيا 13،346 دونما، وتبعد بمسافة 29 كم شمال شرقي غزة، وتحيط بها قرى حتا والسوافير والفالوجة وبيت عفا وعراق سويدان.

وهُجّر من القرية عام 1948 ما يقارب 1600 نسمة، أغلبتهم لجئوا إلى قطاع غزة، وبلغ عدد اللاجئين من كرتيا اليوم ما يزيد عن 10 آلاف نسمة.

وينتشر الركام في مكان البلدة، ويمكن رؤية مقبرة خربة التي تختفي جزئيا بين أشجار الكينا، ويزرع (الإسرائيليون) الحبوب والفصفصة في تلك الأيام في البلدة وفي الأراضي المجاورة لها.

ذكريات النكبة والهجرة ما زالت حاضرة وبقوة في أذهان أبو كمال ورفاقه الذين في جيله، ويبقى تساؤل أبو كمال: هل سيأتي اليوم الذي ما زلت أنتظره منذ ما يزيد عن ستة عقود ونصف وهو العودة إلى كرتيا أم أن الموت أسبق؟

البث المباشر