تحاصر القصص المفزِعة التي رواها الأجداد للأبناء والأحفاد عن رحلة لجوئهم الدامية، كلَّ من ينقّب عن تفاصيل جديدة حول هذا الجرح الذي أصاب الجسد الفلسطيني قبل ستة عقود ونصف.
وبالنسبة للفلسطينيين فإن ذكرى النكبة التي حلّت بهم في العام 1948، وأدت إلى ترحيلهم قسرًا عن بيوتهم وقراهم, حدثٌ متجدد ينكأ جراحه كل عام.
وفي مخيم رفح المكتظ يوجد كثيرٌ من المسنين الذين يروون لأبنائهم وأحفادهم ما جرى بعد القرار الظالم الذي سلب أرض فلسطين وقدّمها لليهود.
ويؤكد المسن سهيل أحمد الذي استقر بها الحال في رفح أن حلم العودة إلى قريته "مسكة" سيتحقق لكن لا يعلم إذا كان سيكون على قيد الحياة أم لا.
ويروي أحمد (72 عاما)، كل عام لأولاده وأحفاده قصة قطفه ثمار البرتقال عندما كان صغيرًا , من حقل والده ويبيعها في أسواق يافا وحيفا.
ومثل هذه القصص تستهوي الصغار, وقال الجدُّ لأحفاده: "هذا مفتاح منزلكم في "مسكة" لا تتخلوا عنه أبدًا".
وأضاف لـ "الرسالة نت": "أبنائي وأحفادي لاموني حين حدثتهم عن قريتهم ومزرعتي وسالت دموعهم كما سالت دموعي قهرا وسألوني بمرارة: لماذا غادرتم الأرض ولم تصمدوا؟
وتابع :"نحن صمدنا إلى آخر لحظة .. كان الرصاص يداهمنا في منزلنا .. خرجنا حتى نحتمي بين الأحراش ومن ثم نعود لكنهم أجبرونا (العصابات الصهيونية) على الخروج بعيدًا".
ويستطرد أحمد: "سنعود لأرضنا وأملي بالله كبير، وبشائر عودتنا عادت لتظهر مع اشتعال الثورات العربية .. سنعود سواءً كنا أحياء أو أموتا".
وكانت الأمم المتحدة قد تبنّت في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 خطة لتقسيم فلسطين بين دولتين مستقلتين واحدة يهودية والثانية عربية، وتنصُّ الخطة أيضا على نظام خاص لمدينة القدس.
ويؤكد لاجئون ووثائق فلسطينية أن الحركة الصهيونية، ارتكبت مجازر وحشية في العام 1948 بحق الفلسطينيين ودمرت أكثر من 500 قرية ومدينة، وشوّهت الكثير من المعالم الجغرافية، وتلاعبت بالتاريخ".
ويشير جهاز الإحصاء المركزي إلى أن عدد الفلسطينيين تضاعف ثماني مرات منذ وقوع النكبة عام 1948 وأصبح نحو 11 مليون نسمة مع نهاية عام 2012، وأن تعدادهم يمكن أن يفوق عدد اليهود في حدود فلسطين التاريخية بحلول نهاية عام 2020.
وتقول المُسنّة انشراح عيسى التي رحلت إلى مخيم رفح جنوب قطاع غزة :"النكبة جرحٌ كبير في قلوب كلِّ من فرَّ من أرض الآباء والأجداد .. لقد هُجّرنا وقُتلنا بلا رحمة".
ومن عتبة منزلها تتخذ عيسى (في العقد السابع من العمر) مجلسًا، لتقُصَّ فيه حكايات وروايات لأحفادها، عاشتها خلال النكبة الفلسطينية.
وككُلّ من بقوا على قيد الحياة من الفلسطينيين الذين نجوا من بطش العصابات الصهيونية, تحتفظ ذاكرة المسنة عيسى بأدقِّ التفاصيل التي عاشتها آنذاك في منزلها وحقل والدها في بلدة "عاقر".
وحاولت المُسنِّة عيسى تصوير ما جرى قبل أكثر من ستة عقود قائلة :"كنا نجلس آمنين في بيتنا الأرضي المبني من الطوب الأحمر، وفجأة انهالت القنابل والقذائف علينا".
وتروي عيسى قصة معاناتها وأبنائها وأقاربها منذ بداية الهجرة من المجدل وصولًا لمخيمات اللجوء بمخيم رفح جنوب قطاع غزة، قائلةً :"سقطت إحدى القنابل على بيتنا؛ أدّت لهدم الحائط بيننا وبين جيراننا من عائلة جبريل، الذي قُدّر له أن يموت يومها (..) ولمَّا شاهدنا كل هذا القصف والدمار خرجنا من منازلنا لننجُ بأرواحنا وأبنائنا الصغار".
وتوضح قائلة :"لم نستطع حمل أي شيء من منزلنا لأن النيران كانت غزيرة لكن والدي أصر على غلق باب منزلنا بإحكام".
والمسنِّة عيسى هربت عندما كان عمرها سبعة عشر عاما بلا حذاء كما تقول بصوت متقطع لـ"الرسالة نت".