قائمة الموقع

أبو كمال يتمنى العودة إلى "كرتيا" بالتابوت

2013-05-16T14:05:47+03:00
حاج فلسطيني في غزة (الأرشيف)
غزة - محمد أبو زايدة

جلس السبعيني أبو كمال الخالدي على كرسي تلفُّه عيدان من الخيزران، يضع يده على "عكّازه" المعكوف، وعيناه تتجهان صوب كانون النار، ودلة– بكرج- القهوة، وصينية النحاس، التي يشمُّ رائحة بلده "كرتيا" من خلال النظر إليهن.

الداخل لمنزله يجد صورة عمرها 65 عاما تتوسط جدار غرفة أبو كمال، صبغت شخصية والده باللونين الأبيض والأسود، أسفلها بساط "كالح" يحمل بين خيوطه رائحة "أيام زمان".

الكـرم

يتحدث أبو كمال عن عدد سكان بلده، ، فيقول " كنا سنة 1947 ، 1910نسمة، ومساحة الأراضي حوالي 14 ألف دونم.

لم يُسْهب النظر كثيرًا في الأواني والقهوة والنار، وقف على قدميه والثالثة عبارة عن "عكّاز"، وأمسك بالفنجان، وملأه قهوة، ليدلل على كرم الضيافة، قائلا :"بلدنا تشتهر بالرجولة وكرم الضيف".

طلبت "الرسالة نت" من الحاج أبو كمال الحديث عن مواقف تدلل على الكرم، فأجاب أنه إذا أقبل الضيف على البلد، يتشارك أهل العائلة بذبح الماشية، إكراما له، فيأخذ ضيافته، ثم يذهب إلى البيت الذي يشاء.

الجغرافيا

تقع "كرتيا" التي ينحدر منها الحاج حسين، ما بين "عراق السويدان" وبلدة فلوجا، وفي الشمال قرية حتّى، والجنوب قرية برير، والجنوب الشرقي "عرب الجبيرات"،  والشمال الشرقي "جسير" و"صميل".

يستحضر أبو كمال المثل القائل " أعطي خبزك للخباز ولو بياكلو كلو"، ويستكمل الحديث بابتسامته عن معناه قائلًا :" أعطي المهمة لأهلها، حتى لو فشلوا في تنفيذها".

"كرتيا" كانت مقسّمة لثلاث فئات: الأولى تضم الفلاحين، والثانية تشمل المصريين، والثالثة للثانويين الذين  قدِموا ما بعد الانجليز عام 1945، وجلسوا في البلاد.

حضرت أم كمال مصاحبة كرم الضيافة، وبيدها ثياب مطرزة، أحدها بالأحمر على أرضية سوداء، والآخر داكن الزرقة.

تقول الحاجة أم كمال مستحضرةً أيام البلاد :"كانت كرتيا تعتمد على آبار المياه الجوفية، وترتفع عن سطح البحر مائة متر، وتبعد عن مدينة غزة 29 كم".

لم يبقَ من قرية كرتيا سوى بضعة منازل، أقيم بجوارها أشجار وحدائق، وثلاثة أماكن للأولياء الصالحين، بعد أن هجّر الاحتلال أهلها الأصليين من الفلسطينيين.

وكان قريب من "كرتيا" مستوطنات قديمة وسكّة حديد، وأيضا المواصلات العامة الواصلة بين الخليل وأسدود.

وبشأن التعليم داخل البلاد، يقول أبو كمال :" كان بالقرية مدرسة حكومية، تستوعب للصف الرابع الابتدائي فقط، وقبل انسحاب الانجليز عام 1948، اشترينا مدرسة مقامة على 40 دونما".

العودة

ويشمُّ الحاج حسين رائحة طعام زوجته، ويضع إبهام يده اليمنى تحت ذقنه، ويقول :" آآخ، كم هي لذيذة البندورة عندما نشقحها ونرش عليها الملح، ونحطها على ألواح خشبية، ونغطيها بالشاش، وننشّفها، ثم نخزنها داخل جرار-جمع جرّة - فخّار لوقت الحاجة".

بدأت أنفاس أبو كمال تهتز، ثم انهال بالبكاء لتنساب الدموع على تجاعيد وجهه آخذة مجرًى لها، قائلاً :" أتمنى أرجع لكراتيا، حتى لو بعد الموت يضعوني بتابوت جرانيت، ويدفنوني بتربتها".

ينهي حديثه قائلا :" العودة حق إلنا، والأمل موجود، وراح يتأكد الرجوع لمن يتوحد الصف الفلسطيني".

فهل يعود أبو كمال لقريته ويرافقه "عكّازه"، أم يرجع موضوعًا في تابوت "يشيله" العشرات، أم يفقد الأمل ويموت بعيدًا عن ريحة "كرتيا" بلدته الأصلية.

اخبار ذات صلة