قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: كــرم غـــزي

أ. وسام عفيفة
أ. وسام عفيفة

بقلم/ وسام عفيفة

ربما تدخل غزة سجل غينيس للأرقام القياسية في استقبال الوفود والزوار خلال العامين الأخيرين من مختلف الشرائح والأعمار والجنسيات والتوجهات، رغم حملة التشويه التي تشنها جماعة "زيارتكو حرام"، بحجة عدم الاخلال بميزان الشرعية الفلسطينية.

إلا أن الناس هنا أصبحوا خبراء في التعامل مع ضيوفهم، وصار أهل غزة مشهورين بالوداعة واللطافة والرقة والدماثة مع الغريب، رغم أنهم حادون وجلفون وخشنون في تعاملهم مع بعضهم البعض.

وتمثل الوفود والزيارات حالة تواصل عالمي مع القضية الفلسطينية، وغزة تحديدا، لا تعكرها سوى ممارسات بعض الجهات والاشخاص على طريقة "حلق حوش"، طمعا في شوية قروش، او لترويج شعار: "استقبلتك في بيتي استقبلني في بيتك".

ويتأثر الزائر الأجنبي قبل العربي بالمواقف الجميلة وتجربته مع الكرم الغزي، ويحزن العاملون في المؤسسات الغربية والانسانية عندما تنتهي مدة انتدابهم في غزة، كما يروي لي مسؤول فلسطيني يعمل في مؤسسة دولية.

الكرم الغزي لا يتوقف عند الضيافة واللطافة، حيث يعبر صحفيون وباحثون أجانب عن ذهولهم من التعاون والتجاوب الكبير في الرد على أسئلتهم واستفساراتهم سواء من مواطنين او مسؤولين والجميع يفتي، بل ان مواطنين يتطوعون تلقاء أنفسهم لتقديم بيانات ومعلومات في مختلف النواحي مصحوبة بالتحليل أحيانا، وهم لا يرون ان هناك اسرارا في غزة يمكن ان يخفوها، ويأخذوا برأي جدتي "هذه بلاد مقدسة ما يخفى فيها خافي".

أذكر أنه خلال عملي الصحفي كنت أساعد مصورا يابانيا في تغطيته لانتفاضة الأقصى.. وكعادتنا كنا نستضيفهم في البيت على الغداء، ولما قدمت الصينية الكبيرة وقد تربعت في منتصفها دجاجة محمرة مع ملحقاتها ومقبلاتها، إذ بالصحفي الياباني يستل كاميراته ويبدأ بتصوير الوليمة من عدة زوايا، ثم ينبطح أرضا ليأخذ زاوية للدجاجة من أسفل لتظهر بفخامة في الكادر، ثم عبر الصحفي الياباني عن عظيم شكره وامتنانه للعزيمة التي لم يعزمه مثلها أحد من قومه، ولن ينس مذاق الطعام الذي لم يذق مثله من قبل.

الكرم الغزي مقرون أيضا بالكرامة التي تلفت انتباه من يتأمل سلوك المواطنين، وأنقل هنا انطباع الصحفية اللبنانية ضحى شمس لدى زيارتها غزة: "البقشيش عيب هنا، بعكس مصر. حتى الأولاد الفقراء في مخيم الشاطئ، أولئك المنهكون من الفقر والبرد والبطالة، يُفاجئون لو مددت يدك ببعض النقود إليهم، يتراجعون برأسهم إلى الخلف، كما لتفادي صفعة. أو كما لو أنك أسأت تفسير تقرّبهم منك.

في المطعم الذي يقدم أطباقا غزاوية شهية تنافس المائدة اللبنانية، ينبهني دليلي، حين أسأله كم عليّ أن أترك بقشيشاً: "إياكي، عيب كتير هنا. بيزعلوا".

المهم ان المواطنين في مدنهم ومخيماتهم وبيوتهم أصبحوا خير سفراء لقضية فلسطين، بل أفضل من سفراء الخارجية الفصائلية، وسفراء المنح الدراسية، والامتيازات والنثريات والاستثمارات، ويرمم أهل غزة الصورة التي شوهتها فضائح نزوات الدبلوماسية الفلسطينية في أنحاء العالم كافة ، وبدل أن نخسر تذاكر طيران، وبدل سفريات، ومقرات، وفنادق، جاءوا إلينا من جميع انحاء العالم، وشاهدوا الصورة الحقيقية دون مبالغة أو تجميل، وحال غزة يقول لهم "الجود بالموجود"

 

البث المباشر