اليوم حكاية ملفنا القضائي مثيرة لما يحويه من تفاصيل غريبة إلى حد كبير تدل على جهل أبطالها وضعف وازعهم الديني.
الحادثة وقعت قبل ثلاث سنوات حين قبلت "ل.م" الزواج برجل يصغرها بخمسة أعوام بحجة الستر رغم أنها مطلقة ولم تقض عدتها كاملة.
وافقت الضحية على الزواج من الرجل عرفيا بشهادة ذويها من أجل الحفاظ على نفقتها، فتم الأمر في مصر خشية أن يفتضح أمر زواجها بالإضافة إلى رفض ذوي الشاب الاقتران بها لسمعتها السيئة في المنطقة.
لم يمض على زواجها العرفي عام حتى باتت المشكلات تكثر بينهما وتنكشف أوراقه لما يمارسه من أفعال دنيئة، فبات يضربها ويهينها ويأخذ ما بحوزتها من أموال ليتعاطى المخدرات.
كما بات يهددها بحرمانها طفلتها التي رزقت بها في حال لم تستجب له وتمنحه ما يريد، ولكنها دوما كانت تحاول الهرب إلى ذويها بعد ضربها أمام الجيران.
ومع الضرب والألفاظ النابية التي كانت تلقى على مسامعها يوميا تمكنت السيدة من تطليق نفسها منه لأن ما يربطها به مجرد ورقة عرفية لا تكفل لها حقوقها، ثم بقيت في بيت أهلها.
زوجها العرفي
بعد مرور شهرين على الانفصال حاول زوجها استرجاعها لكنها كانت ترفض دوما الرد على اتصالاته أو استقباله في البيت ما جعله يهددها بصور وفيديوهات عارية صورها إياها حين كانت على ذمته إلى جانب محاولات الضغط عليها وتهديدها بخطف ابنتها.
لم تكترث "ل.م" لتهديداته لكنه نفذها فعلا حين كان يجتمع مع أصدقائه ويعرض الفيديوهات عليهم ويمنحهم رقم هاتفها بحجة انها امرأة غير محترمة يمكنها فعل أي شيء من أجل المال.
في إحدى المرات زوجها العرفي دعا أحد اصدقائه إلى أرضه ساعة العصر وبات يقص عليه لياليه مع زوجته السابقة ويطلب منه الاتصال بها.
وكلنا نعلم أن المرء على دين خليله، وهذا ما حدث مع الزوج العرفي، فقد وقع في شباك صديقه الذي استغل انشغال الزوج ليسرق ذاكرة هاتفه التي تحتوي على فيديوهات وصور لطليقته.
وطار الصديق بعيدا، وبات يتصنع أنه الأمين الحريص، فاتصل على "ل.م" وقال لها إنه يمتلك ذاكرة صغيرة عليها صور فاضحة لها ويريد أن يعطيها إياها لتتخلص من تهديدات طليقها، ولكنه كان يماطل في إيصال الأمانة ويتحجج بانشغالاته.
أحس الزوج العرفي بسرقة الذاكرة، وشعر باختفاء صديقه حتى هاتفه وسأله عن الذاكرة، فأخبره الأخير بأنه سيغير رقمه حتى لا يستطيع الوصول إليه، ما دفع الزوج إلى إبلاغ الشرطة.
عند إلقاء القبض على الزوج وصديقه اعترف الأخير أنه تأخر بتسليم الذاكرة إلى "ل.م" نتيجة ظروف عائلية حدثت معه وأنه كان ينوي منحها إياها، ولكن بعد التحريات والتأكد من نيته للتشهير بالسيدة وابتزازها بالمال بقي في السجن برفقة الزوج الذي بلغت عنه طليقته.
وخلال التحقيقات أدلى طليق السيدة بأن صديقه طلب منه مبلغ ألفي دولار مقابل أن يرجع إليه الذاكرة، أي إنه سرقها لابتزازه وأخذ المال.
الحياة الزوجية
ومع انتهاء التحقيق مع الأطراف واعترافها بفعلتها حولت النيابة قضيتهم إلى المحكمة ليأخذ كل واحد عقابه، فعقدت محكمة مغلقة حضرها أطراف القضية.
جلست السيدة بصحبة طفلتها على كرسي خشبي تنظر إلى الرجلين نظرات حقد، في حين كان المتهمان يتجاهلان نظراتها وينظران إلى القضاة لعلهم يرأفون بحالهما.
وعندما بدأت الجلسة طالب وكيل النيابة بإيقاع أشد العقوبات لأن التهمة خطيرة لما فيها من تعد على الأعراض.
واعتبر وكيل النيابة أن الزوج خان الأمانة حين صور زوجته في فيديو وهي عارية دون أن تنتبه، ثم طلقها وراح يساومها ويبتزها، أما سارق الذاكرة فحاول ابتزاز الطرفين من أجل المال، مطالبا بأن تتخذ العدالة عقوبات رادعة ليكونا عبرة لكل من تسول له نفسه هتك أعراض الناس.
ورغم دفاع موكلي المتهمين عنهما فإن المحكمة قضت بحبس طليق "ل.م" مدة سنة مع النفاذ وغرامة مالية قدرها ألف دينار أردني مع حبس سارق الفيديو سنتين مع النفاذ وغرامة مالية قدرها ألف دينار أيضا، وذلك طبقا لوقائع الجريمة التي وقعت وأودت بسمعة امرأة ودمارها معنويا.
لكل جريمة أو جناية دوافع نفسية واجتماعية جعلت مقترفيها يرتكبون فعلتهم التي دوما تؤدي بهم نحو التهلكة.
وتعقيبا على ملفنا القضائي، تحدثت الاختصاصية زهية القرة قائلة إن بداية الحادثة كانت مبنية على خطأ، "فالزواج العرفي غريب على مجتمعنا الغزي المحافظ"، معتبرة قبول الفتاة وأهلها هذا الزواج دلالة على قلة إدراكهم المعنى الحقيقي للحياة الزوجية.
ووصفت القرة الزوج من الناحية النفسية بأن لديه انحرافا سلوكيا وأنانيا، "ولاسيما لقبوله الزواج تحقيقا لمصلحته بالحصول على المال من زوجته"، معتبرة أن الزوجين ينظران إلى الحياة الزوجية على أنها مبنية على النزوة لا الإنسانية، "لذا لم يكترثا لتأثير الفضيحة على بنتهما".
وأوضحت أن حياة الزوجين في الطفولة تدل على أفعالهما، "فيبدو أنهما لم يحصلا على الحنان الكافي كبقية أقرانهما".
وقالت الاختصاصية: "ضحية الملف القضائي تنظر إلى نفسها نظرة دونية وجنسية لأنها لم تكن حريصة على نفسها وبيتها"، داعية السيدات إلى فهم الحياة الزوجية على أنها مسؤولية، "فلا بد من احترام تلك العلاقة كي لا ينحرف الأبناء".
أما الشريعة الإسلامية فلها موقف من القضية المطروحة ذكره الداعية الدكتور ماهر الحولي حين قال إن الاسلام يعتبر الزواج استقرارا وسكنا، "لذا يحرم على الزوجين التشهير ببعضهما بعضا أو نشر أشياء محرمة تسيء للطرفين"، مؤكدا أن الشريعة ترفض الاعتداء على الأعراض لما فيه من مخالفة لأحكام الله.
واعتبر الحولي الزواج العرفي الذي فعلته الزوجة لتحافظ على نفقتها من زوجها باطلا، "فهي بمجرد أن تطلق من زوجها يكون لها نفقة عدة الطلاق، ولا يجوز لها الزواج خلال العدة"، مشيرا إلى أنه في حال كان معها أولاد يصرف لهم والدهم النفقة ما دام أنهم في حضانتها، "ولا يوجد داع للتحايل على القضاء".
نهاية، هي دعوة لكل سيدة تسول لها نفسها بيع جسدها من أجل المال: عليك التفكير بأبنائك ومصيرهم عند ارتكابك سلوكا منافيا للإنسانية ما قد يقودهم بهم إلى بحر الانحرافات.