قائمة الموقع

"جُمعة" معزول في خرابة منذ نصف قرن !

2013-06-04T11:34:02+03:00
البريج-محمد بلّور-الرسالة نت

ما حدث في مخيم البريج دمر طبقات الزمن في حياة الناس وهم يشاهدون المسن جمعة (75 سنة) يخرج من حجرته المهجورة بعد نصف قرن.

تهدّلت حواجبه نصف البيضاء على جفونه المجهدة وتفرقت شعرات لحيته المسنّة في وجه لوّنه البؤس بالشيّب وهو يراقب ما يكتشفوه في عالمه الخاص عاجزًا عن الكلام.

وانقطع جمعة -يعاني من أمراض نفسية- عن العالم الخارجي من عشرات السنين مفضلًا الحياة في حجرة مهجورة تكتظ بأكوام القمامة والفئران والحشرات .

وكان موظفو بلدية البريج قد عثروا صباح اليوم على المسن جمعة خلال استجابتهم لشكوى بضرورة تنظيف حجرة مهجورة في منطقة "بلوك3" .

وتلقت بلدية البريج شكوى من شقيقة جمعة بعد أن فاضت مياه الصرف الصحي من الحجرة ليأمر أنيس أبو شمالة موظفي النظافة التوجه للمكان فيصدموا بما شاهدوه.

جُمعة

إنه ذلك الطراز العتيق من الحجرات المهجورة التي تشبه ما مارس فيها يوما "دراكولا" مصاص الدماء هوايته أو وردت في فيلم رعب من الطراز المخيف والقذر بامتياز .

في الحجرة الضيوف هم جميع أنواع الحشرات والفئران، والألوان كلها تحمل تاريخا قديما يؤكد هويتها "فانوس" الكاز المغبرّ المعلّق بإهمال وسترات بالية ومغبرّة فوق سرير صدء ومتآكل .

الدفعة الجديدة من "البلاستيك" القذر مكدسة أمام الحجرة في فناء صغير بينما تحمل الحجرة تفاصيل أخرى حبيسة باب عتيق ونافذة صدء لم يتحرك مزلاجها من سنوات طويلة .

لا أحد يدري ما الذي دفع نجاح شقيقة الضحية لتكشف قصته !! هل هو نداء استغاثة أم نوبة استيقاظ ضمير بعد عشرات السنين .

من لحظات فقط أفلحوا في إجباره على الجلوس مقابل عزله العتيق وآنيته البالية بعد أن رحلت آخر أفواج الفئران والجرابيع من المكان .

يدير رأسه ببلاهة وينحني ليبحث عن أشياء لا يعرف كنهها إلا هو فلا تعنيه كامل الجلبة الثائرة من حوله وقد تعوّد مخاصمة العالم من عشرات السنين .

وبعيد اقتناعه باستيعاب جزء مما يدور حوله قال لمراسل الرسالة نت: "اسمي جمعة قبل مدة أكلت فول وكنت أحيانا أروح على البحر وعلى دير البلح" .

وعن سنه كم يبلغ لوّح براحته مهملاً عشرات السنين التي مرت بذات النسق فأجاب :"أنا باحسبش" .

وفيما كان الجيران وموظفو البلدية يكتشفون عالمه الخاص من خلال عشرات الخرق والأواني البالية وأكوام القمامة التي تعجّ بها حجرته كان يدير عينيه في الحاضرين بشرود .

وسأل مراسل "الرسالة نت" جمعة هل يعرف شيئًا من أخبار العالم فاستجاب بعد ثوان مفتشًا عن جهاز راديو أسعفوه من حوله بإحضاره وقد كان من الطراز القديم .

وتابع: "لي أقارب لكن لا أراهم .. أعرف الجيران .. لا أحد يأتي لعندي .. ولا يوجد عندي لا ماء ولا كهرباء فأنا أتولي حالي ولي أخ اسمه موسى".

نجاح

فيما كانت الجلبة تدور في خارج والعيون تغزو جسد جمعة الخارج عن الزمن كانت أشعة الشمس تتسلل من شقوق السقف والجدران.

قرقعة الآنية وأكوام القمامة المستخرجة من حجرة الكهف يدفعها موظفو البلدية خارج الحجرة , لا شيء فوق العادة في المكان القذر .

الآن وقد مرت أكثر من أربعين سنة على عزله الانفرادي بللت نجاح لسانها بالشكوى على حال حجرته لتنفجر القنبلة الموقوتة وتكتشف البلدية التفاصيل .

تشعر نجاح 62 سنة شقيقة جمعة بعقدة الذنب وهي تقرأ انفعالات الناس من حولها والجيران المحتشدين أمام حجرة جمعة الأشبه بالكهف القذر.

وقالت لمراسل الرسالة نت: "حياته كلها هيك من يوم ما وعيت على الدنيا وهو بهذا الشكل والآن عمره 75 سنة وإله هيك عشرات السنين".

وحول مساعدتها له في المأكل والمشرب تابعت: "لما أطبخ طبخة أناوله الأكل من فوق الحيط وما بيفتح لحدا , هادي داره كل بيته وكرميده تكسر في الحرب وما بشوفه مطلقاً" .

وبدأت الدموع تغالب نجاح بعد إلقاء الجيران عشرات العبارات الآسفة لحاله وهيئته المزرية فبشرته فقدت لونها والأوساخ علقت بكامل وجهه وأذنيه ورأسه المشعّث .

وتتابع: "الفئران هجمت علينا من غرفته وخلعت البلاط .. اليوم مياه المجاري طفّت علينا وصارت ترجع بالعكس".

بلدية البريج

أبرز الذوّاقة في تاريخ الوصف لا يستطيعون كتابة ما يقوله موظفو بلدية البريج بدءا من الرئيس ومسئولي قسم النظافة حتى بقية العاملين الذين اقتحموا المكان وقاوموا عشرات الفئران متباينة الحجم .

ورجّح أنيس أبوشمالة رئيس بلدية البريج الذي تواجد في مكان الحدث أن عائلته تعرف بمعاناته ومأساته دون أن تتدخل في الأمر .

وأضاف: "جاءت أخته نجاح للبلدية واشتكت وقالت أن حالته صعبة فزرنا المكان وتفاجأنا بما رأيناه وبدأنا ننظف المكان" .

أما المهندس شكوت النجار مدير صحة البيئة في بلدية البريج فقال :"إن قسم الصحة تلقى شكوى من شقيقة جمعة عن حالة إنسانية تعاني الفقر وسوء النظافة" .

وأضاف: "رأينا الوضع صعب وتدخلنا بشكل سريع وبدأنا تنظيف الحجرة المهجورة ونعمل الآن على نقله لمستشفى متخصص ليتم فحصه تحسبا من نقله للأمراض".

الجيران

الآن انحسم الفضول عن كنه تلك الحجرة المهجورة التي لا يسمع منها صوت ولا يشاهد على فوهتها إنسان .

وحدها أعمدة الدخان وأسراب الفئران كانت تحظى بمصافحة العيون المارّة فيتقززون من حالها ويسرعون بالابتعاد عنها .

وقال الشاب مدحت رجب إسلام 32 سنة :"إن المسن جمعة يعيش منذ عشرات السنين في تلك الحجرة المهجورة ولا يخرج منها إلا مرات قليلة في الليل" .

ووقف مدحت بين أكوام القمامة والآنية البلاستيكية البالية المتسخة مضيفا: "أحيانا كنت أراه يخرج الساعة الثانية فجرا ويغيب ساعة ويرجع وكان يولع بلاستيك ويسخن مياه".

وكان أحد رجال المخيم قد أسند قبل سنوات لمدحت مهمة إحضار بطاقة هوية جمعة لمحاولة مساعدته فاضطر لاقتحام الحجرة المهجورة.

عن ذلك تابع: "مرة فوزي الشحري الله يرحمه قال لي جيب هويته فقفزت من فوق الحيط وشفت ما لا تتخيله !! أكوام زبالة ..!! مش عارف شو أحكيلك ..!! صارله يمكن 30 سنة على هالحال !!" .

أما عدنان الجار الثاني للضحية فقد ألجمته الفاجعة من هول ما رأى فالتقارب المكاني لم يمنحه تفاصيل تتناسب طرديا من عامل الزمن .

يهزّ رأسه ويقول :"إن حاله سيء ولا أحد يهتم به من فترة طويلة وهو دائم المكوث في تلك الحجرة المجهولة" .

 وأضاف:" لا أعرف اسمه فأنا من سنين أعيش هنا ولا أرى شيء من اللي رأيته اليوم !! كل ما كنت أعرفه أنه يعيش لوحده" .

وعلمت "الرسالة نت" لاحقا من رئيس بلدية البريج أن جمعة نقل بسيارة البلدية لمستشفى الوفاء وهناك باشروا برعايته وإجراء الفحص الطبي حيث سيظل هناك لتلقي الرعاية المطلوبة .

ولازالت قصة المسن جمعة الذي خاصم الناس بسبب مرضه النفسي لعشرات السنين وعاش في حجرة قذرة حديث سكان مخيم البريج الذين بدأوا يتوافدون لزيارة مكان المأساة .

اخبار ذات صلة