توسلت الفتاة العشرينية (ش. م) بنظرات الشفقة إلى شقيقها الكبير ليعدل عن قراره بقتلها من أجل التخلص من الفضيحة التي ألمت بالعائلة بعدما أقامت علاقة غير شرعية مع جارهم.
في إحدى الليالي، الأب اجتمع مع أولاده ليقرروا غسل عارهم بيدهم ولاسيما أن كل الجيران باتوا يرمقونهم بنظرات استفزازية دفعتهم إلى اتخاذ قرار القتل رغم أن حكاية ابنتهم حلت بوجود وجهاء الحي حين قرروا تزويجها الشاب الذي أقامت معه العلاقة التي كشفها أحد إخوانها.
تفاصيل الحكاية وقعت خلال مدة ليست بعيدة، فقد عانت الفتاة مع عائلتها ولم تجد الحنان الكافي, فهي يتيمة الأم وتحملت المسؤولية منذ صغرها.
الجهل الذي عاشته الفتاة (ش. م) جعلها تبحث عن الحنان حتى وجدته أخيرا عند جارها الذي استغل سذاجتها وحاول التردد على بيتها دون أن يكترث لمجيء أحد من ذويها, فقد كان دوما يغريها بكلمات الحب المعسولة وينهي حديثه دوما إليها بأنه سيتزوجها قريبا.
ربما المتابع لزاوية ملفات القضاء يجد أن أسباب غالبية القضايا المطروحة واحدة: قلة الوازع الديني والجهل الذي يعيشه من يرتكبون الجرائم، وهذا ما سنرويه في ملفنا لهذا العدد.
خطيبها رفض الزواج
خيوط القضية وقعت في ليلة حالكة السواد حين جاء والد ( ش. م) وأعمامها وإخوانها لتخييرها بين القتل مسمومة أو برصاصة في الرأس حتى يغسلوا عارهم ويرفعوا رؤوسهم بين الناس بعد قتلها كما يزعمون.
الخطأ الذي وقعت فيه الفتاة أصلحه رجال الإصلاح والوجهاء بعقد قرانها على جارها، فباتت زوجته على سنة الله ورسوله، ودفع لها مهرا كبقية الفتيات، لكنه بعد مدة من الخطوبة أرسل لذويها أنه لا يريد الزواج، ثم هرب إلى مصر.
حكايته مع الفتاة باتت على ألسنة أهالي الحي الذي يقطنون فيه ما جلب الفضيحة والعار وفق العادات والتقاليد لذويها, لذلك قرروا حماية شرفها بقتلها.
صرخات الفتاة وتوسلاتها لم تشفع لها، فقد أمسك بها إخوانها ووضعوها في غرفتها، ومن خلف الشباك وقف والدها وأعمامها ينظرون إليها، ودفعوا شقيقها الأصغر الذي لم يتجاوز العشرين عاما إلى قتلها.
وفق التحقيقات كانت الفتاة صغيرة حين فقدت والدتها ما جعلها تضطلع بدور الأم لأخيها الصغير الذي لم يهن عليه قتلها, ولكن العادات أقوى من مشاعر الأخوة, فكل ما كان بوسعه لحظتها أنه طلب منها نطق الشهادتين، ثم أطلق النار على رأسها فأرداها قتيلة.
لم يرد الأخ الصغير قتل أخته إلا بعدما أقنعه عمه بذلك وأخبره أنه سيمضي ستة شهور في السجن ثم يخرج حرا طليقا بعدما يتنازل أولياء الدم عن حقوقهم كما هو معروف في القانون الفلسطيني.
وفور انتهاء جريمته خرج من غرفة أخته حتى تلقفه والده بالأحضان لأنه أعاد إليهم شرفهم، ثم راحت زوجات إخوانها يطلقن الزغاريد في مشهد يدل على انعدام الإنسانية والرحمة من قلوبهن.
هنأت العائلة بعضها بعضا بمقتل ابنتها (ش.م)، وبعد ذلك خرج أخوها الصغير بصحبة والده إلى الشرطة ليخبروها بما فعلوه حتى حول إلى النيابة ثم القضاء.
بعد دارسة تفاصيل الجريمة من القضاة ووجود ورقة الصلح التي تنازل فيها أولياء الدم عن حقهم أصدر الحكم بسنة مع وقف عقوبة الحبس لثلاث سنوات.
غسل العار والزغاريد
لكل جريمة جنائية خبايا نفسية واجتماعية, وللتعليق على قضيتنا السابقة فإن الاختصاصية إيناس الخطيب تحدثت قائلة: "هناك دوافع جعلت الفتاة تبدأ علاقة محرمة لأنها فقدت الحنان حتى وجدته في جارها"، موضحة أن ما فعلته كان لتفكيرها بإشباع حاجتها العاطفية.
وذكرت الخطيب أن العادات والتقاليد البالية دفعت عائلة الفتاة إلى قتلها ليشعروا بغسل عارهم ويرفعوا رؤوسهم بين الناس، مشيرة إلى أن كثيرا من الناس ينظرون إلى الكأس الفارغ، "وهذا ما وقع في فخه شقيقها حين بات من حوله يرددون عليه: انظر ماذا فعلت أختك.. وطت راسنا".
ووصفت شقيق الفتاة بأنه بلا علم بأمور الحياة، "لكنه قتلها ليثبت للجميع أنه رجل يمكنه الحفاظ على شرفه"، معتبرة ما فعلته النسوة حين زغردن "دليلا على الانتصار وفق تفكيرهن".
ودعت الاختصاصية الخطيب خلال حديثها لـ"الرسالة نت" إلى تعديل الأفكار وليس السلوك "باعتبار أن السلوك نابع من الفكرة".
في نهاية ملفنا القضائي فإننا لم ندافع عن الفتاة لكننا ندعو إلى الرفق في بناتنا والإحسان إليهن في إجراء احترازي قبل الوقوع في فخ الرذيلة كي لا تكون النتيجة الفضيحة.