الرسالة نت- محرر الشئون الدولية
في نهاية الأسبوع الماضي تجددت المعارك والقتال الشرس ضد المسلمين في شمال نيجيريا وهي تاتي امتدادا لأحدث موجهة عنف تشهدها تلك المناطق منذ منتصف لبشهر الماضي.
وتقدر التقارير اعداد الضحيايا لهذه الموجة بما لا يقل عن خمسمائة قتيل وآلف من الجرحة واكثر من 20 الفا مشرد، ووفقا لهذا التقرير فان معظم الضحايا عثر عليهم في آبار ومذابح جماعية حيث تقوم جماعات مسيحية منظمة بملاحقتهم وقتلهم بصورة جماعية.
ولا يعرف على وجه الدقة سببا محددا لهذه الموجة لكن مصادر مطلعة تقول بأن هذه الموجة ما هي الا استمرار لمخطط معد مسبقا لتهجير السكان المسلمين في تلك المناطق ومنعهم من اقامة ادارات محلية تطبق الشريعية الاسلامية، والحيلولة دون ان يشكل مسلموا تلك المناطق اغلبية بين السكان.
وقد سمح عودة الهدوء النسبي إلى مدينة جوس النيجيرية بإقامة جنازات ومقابر جماعية اليوم للعشرات من قتلى الاشتباكات التي شهدتها المدينة واكبتها دوريات لدبابات الجيش.
دفن الموتى
ومع تخفيف حظر التجول في المدينة لبضع ساعات تنقل أئمة المساجد إلى التجمعات السكنية القريبة من المدينة لدفن الموتى حيث بلغ عدد قتلى المسلمين أربعمائة قتيل من بين 460 قتيلا في الاشتباكات. وفي مقابر مدينة ناريكوتا أقيمت مقبرة جماعية بعرض 120 مترا دفنت فيها جثامين 98 قتيلا دفنوا فيها تباعا اليوم الخميس.
وأشارت تقارير صحفية إلى أنه تم انتشال 178 جثة على الأقل من آبار وحفر في مدينة جوس بعد الاشتباكات، وأوضح عمر بازا زعيم قرية كورو كاراما أن عدد القتلى غير الرسمي الذي تم جمعه من مصادر عدة أصبح 492 قتيلا.
وقد أحرقت عشرات السيارات والمنازل والكنائس والمساجد خلال أربعة أيام من الاضطرابات، ولا يزال حظر التجول ساريًا من الساعة الخامسة مساء حتى العاشرة صباحًا.
وقال محمد تانكو شيتو المسئول البارز في مسجد ينظم عمليات دفن جماعي إنه عثر في كورو جنتار على أكثر من 200 جثة. وأضاف: "ألقي الكثير من الجثث في الآبار وكانت متناثرة حولها وكانت السلطات المحلية تقوم بانتشال جثث أخرى."
وأوضحت مصادر الصليب الأحمر إنهم لا يزالون يحصرون أعداد الجثث ولا يمكنهم بعد تقديم حصيلة إجمالية، فيما يقدر البعض حصيلة القتلى بأكثر من 400 رغم أن الأرقام الرسمية تقل عن ذلك بكثير.
وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش إن رجالاً مسلحين هاجموا كورو كراما التي يشكل المسلمون غالبية سكانها في 19 يناير الجاري وأحرقوا البعض أحياء وقتلوا آخرين أثناء محاولتهم الفرار.
وقال أحد سكان القرية ويبلغ من العمر 32 عامًا: "كان المعتدون مسلحين بسيوف قصيرة وأسلحة نارية وعصي وأجولة من الحجارة، ولم يكونوا مسيحيين من منطقتنا ولكن جاء مسيحيون من الخارج".
لكن عبد الفتاح محمد الثاني، نائب رئيس مجلس علماء المسلمين في نيجيريا، حمَّل في تصريح للجزيرة جماعات مسيحية مسؤولية افتعال أعمال الشغب والعنف الأخيرة في الولاية تنفيذا لمساعيها المتواصلة لمنع قدوم المزيد من المسلمين للسكن فيها.
وأضاف: "الأطفال كانوا يجرون، والرجال كانوا يحاولون حماية النساء، والذين فروا إلى الأدغال قتلوا، والبعض أحرق في المساجد والبعض ذهبوا إلى البيوت وأحرقوا".
أمام الحكومة
الشيء الملفت في هذه المجازر انها تتم تحت أعين قوات الجيش الحكومية التي تتدخل فقط لمنع وقوع هجمات مضادة ضد المليشيات والجماعات المسيحية في المنطقة. ويقول الجيش انه يعتقل المتسببين في الاحداث، وانه اعتقل في الاحداث الاخيرة اكثر من 330 شخصا، وانه سيحقق معهم وسينقل من ثبت تورطه في المجازر الى العاصمة من اجل محاكمته. لكنه لم يتم محاكمة اي من المتسببين في الاحداث من قبل وهو ما يثير علامات الاستفهام حول دور الجيش ومسئوليته على تلك المجازر.
وكان الجيش قد قاد هجوما شاملا العام الماضي ضد جماعة اسلامية اعلنت عن تطبيقها للشريعة في ولايات الشمال وطردت مسئولي الدولة ودمر المقار التي كانت تتمركز بها الجماعة واعدم كل من فيها بلا استثناء قبل ان ينسحب من المنطقة.
وكانت هذه الجماعة شكلت ميليشيات خاصة بها للدفاع عن المسلمين من هجمات الجماعات المسيحية المتطرفة التي دأبت على الاغارة على تجمعات المسلمين وحرق منازلهم وتدمير ممتلكاتهم.
وكان المدعي العام في نيجيريا قد أعلن نهاية الاسبوع المنصرم أن أكثر من مائة شخص يواجهون الحكم بالإعدام لعلاقتهم بقضية الاعتداء على جماعة "بوكو حرام" الإسلامية , فيما عثر على صور تظهر تورط قوات الجيش النيجيري والشرطة في عمليات قتل ضد الجماعة.
وكان نحو ألف شخص قد قتلوا الصيف الماضي في مواجهات وقعت بين الشرطة والقوات النيجيرية وبين جماعة "بوكو حرام" الإسلامية التي تنشط في الولايات الشمالية من البلاد.
وقالت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان :"إن أغلبية القتلى كانوا مدنيين", مؤكدة أن القوات الحكومية تتحمل مسؤولية كبيرة عما حدث.
كما ناشدت جماعة مساعدة مسلمي جوس، المنبثقة عن جماعة تعاون المسلمين بنيجيريا ضرورة تدخل الدول العربية والإسلامية لتخفيف معاناة مسلمي جوس النيجرية.وأشارت الجماعة في بيان لها إلى أن المذبحة التي جرت للمسلمين نتيجة لرفضهم أن يتنصروا لأجل الغذاء والألبسة تقدمها الكنائس والجمعيات التنصيرية لا لمساعدتهم بل لإفساد دينهم وتضليلهم.
وتقول التقارير ان الرئيس النيجيري الذي يعالج في السعودية منذ اسابيع رفض التوجه الى الولايات المتحدة او اسرائيل للعلاج لخشيته من الاغتيال.
هذا يشكل جانب الوجه الخفي للحرب الدائرة ضد مسلمي نيجيريا منذ عقود، وتحديدا منذ استقلالها والى اليوم، بينما الوجه الآخر هو في دول ومؤسسات غربية تعمل على السيطرة على أجهزة الدولة ومؤسساتها بما فيها الجيش، فجهاز الإستخبارات الأمريكية (سي أي إي) لعب الدور الرئيسي في هذه الناحية وكذلك شركة ميكروسوفت الأمريكية ومجلس اتحاد الكنائس العالمية وكنائس أمريكية وبريطانية.
من هنا فإن ما يجري الآن في نيجيريا من مذابح وعمليات قتل وتشريد منظمة للمسلمين انما تجري تحت غطاء من الدولة، وتحديدا نائب الرئيس المسيحي الذي ينسق خطط التنصير في نيجيريا ويحضر لاستلام السلطة من قبل مسيحي سواء عبر صناديق الاقتراع او من خلال الاحلال الدستوري خلفا لرئيسها الحالي باعتباره نائبا له.
هذه المعطيات قد تكشف جانبا من الخلفية التي تحكم ما يجري في هذا البلد بحق المسلمين، وهو صراع مرير يجتمع فيه العامل الديني، والصراعات القبلية، والصراع على السلطة والنفط، والاطماع الغربية التي ترى في نيجيريا بلدا غنيا لم يستغل بعد.