"اليهود لم يعودوا مستوطنين في الضفة الغربية, و(إسرائيل) ستجعل الفلسطينيين مستوطنين، وتجمعهم في تجمعات غوش وتمنح إدارتهم للأردن وانتهى الأمر", بعبارة واحدة لخص نائب وزير الجيش (الإسرائيلي) وعضو الكنيست داني دنون مستقبل الفلسطينيين الذي ترسمه لهم (إسرائيل) وتسير فيه بخطى ثابتة ومدروسة.
لا يمكن لأحد تجاهل الوقائع على الأرض التي تؤكد أن الوضع في الضفة يذهب إلى هذه النتيجة، وأن "دنون" بزلة لسان كشف أخطر المخططات الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية, وعرى كل المتعلقين بأوهام السلام المزعوم الذي لا تزال السلطة الفلسطينية تتشبث به وترى فيه الحل الأوحد للقضية.
وقد يكون دنون بالفعل كما وصفه أحمد الطيبي العضو العربي في الكنيست بأنه أصدق المتطرفين في (إسرائيل) الذي أكد أن (إسرائيل) لن تسمح بقيام دولة فلسطينية وأن كل ما يقال عن السلام مجرد تضليل, وهو ما يقطع الشك باليقين حول الحلول السياسية والمبادرات المطروحة والمساعي الأمريكية الحثيثة التي تدور في الفلك (الإسرائيلي) وتهدف إلى إعطاء (إسرائيل) الوقت الكافي لإنهاء مخططاتها.
عقبة حقيقية
(إسرائيل) ستأخذ الأراضي الفارغة في الضفة وتعمل على تحويل التجمعات السكانية الفلسطينية إلى مستوطنات طبقا لدنون الذي أكد أن كل أعضاء الكنيست والحكومة في (إسرائيل) يوافقون هذا الرأي ويعملون على هذا المخطط في الخفاء حتى في حال كانوا لا يصارحون العالم والجمهور بوجهة نظرهم هذه, وذلك ما تشير إليه كل الأوضاع الميدانية والوقائع على الأرض.
وفي هذا السياق، أكد خبير الاستيطان خالد العمايرة أن (إسرائيل) تصارع من أجل فرض سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين وإلغاء أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية, "لكن النمو الديمغرافي الفلسطيني يشكل عقبة حقيقية أمام المخططات الصهيونية في الضفة", موضحا أن (إسرائيل) تحاول التغلب على النمو الديمغرافي بالاستيلاء على أكبر قدر من الأراضي.
وأشار العمايرة إلى أن (إسرائيل) تصادر الأراضي في كل مكان, "وتعمل على خطط بعيدة المدى وأخرى قريبة بالإضافة إلى أنها تكثف تركيزها على منطقة الأغوار ووادي الأردن والمناطق المحيطة بالقدس والقريبة من التجمعات الاستيطانية الكبرى لهدف الاستيلاء على معظم الأراضي".
المتخصص في الجغرافيا السياسية د. يوسف إبراهيم أكد من جانبه أن ما كشف عنه دنون يأتي في إطار الفيلم (الإسرائيلي) لحل القضية الفلسطينية, "فـ(إسرائيل) تنظر إلى الضفة على أنها جزء لا يتجزأ من الكيان الصهيوني وأن الوجود الفلسطيني ديمغرافي لا جغرافي أو سيادي".
وبين إبراهيم أن (إسرائيل) تعتبر الوجود الاستيطاني في الضفة شرعيا وامتدادا طبيعيا لدولة الكيان، "في حين أن الفلسطيني يحتاج من يكون مسؤولا عنه إداريا ويقدم إليه الخدمات، لهذا فإن التفكير (الإسرائيلي) يتجه دائما نحو الأردن للضلوع بهذه المهمة".
ولفت إلى أن الرؤيا الاستيطانية لدى الاحتلال واضحة منذ عام 1882, مبينا أن الحركة الصهيونية تسعى إلى امتداد جغرافي وديمغرافي هدفه السيطرة على الأراضي.
وأشار إبراهيم إلى وجود هجمة صهيونية شرسة على أراضي الضفة بحجة أملاك الغائبين وأماكن عسكرية مغلقة ومحميات طبيعية, موضحا أن هذه الأراضي يجري اختيارها بعناية وعلى أسس جيوسياسية لا عشوائية, "كما تختار بناء على خرائط دقيقة تقدم من خبراء لهدف تقطيع أوصال الضفة الغربية وجعل إيجاد تواصل جغرافي لدولة فلسطين مستحيلا إلى جانب منع أي إمكانية لإنشاء كيان فلسطيني ذي حياة طبيعية".
واعتبر المتخصص في الجغرافيا السياسية أن (إسرائيل) تعمل يوميا على تنفيذ المخططات الموجودة لديها, "فتزيد أعداد المستوطنين، وتقيم مزيدا من المستوطنات الجديدة التي تتركز في أهم مناطق الضفة".
وأكد إبراهيم أن النمو الديمغرافي هاجس كبير للاحتلال الذي يتخوف منه، "لذلك فهو يتجه إلى مواجهة هذا الخطر بعزل الفلسطينيين داخل مدن مفصولة عن بعضها بعضا", قائلا: "عجز القيادة (الإسرائيلية) عن الحد من الخطر الديمغرافي للشعب الفلسطيني دفعها إلى استخدام أساليب أخرى مثل الضغط السياسي والاقتصادي على شعبنا الذي قد يجد في الهجرة المفر من الأزمات التي يعانيها".
أوهام السلطة
مدن جديدة, ومطارات وفنادق، وشبكة طرق سريعة, مشاريع تعتزم السلطة إنشاءها في الضفة المحتلة على أمل أن تعوض التآكل الكبير الذي طرأ على الأراضي الفلسطينية، ولكن الواقع يؤكد أن (إسرائيل) لن تسمح للفلسطينيين بإقامة أي من هذه المشاريع.
وهنا، اعتبر العمايرة مشاريع السلطة مجرد أوهام، منوها إلى أن رام الله تحاول بتلك المشاريع تبرير عجزها الكامل أمام (إسرائيل)، "لأن الكلمة الأخيرة فيما يخص هذه المشاريع هي لـ(إسرائيل)".
وقال العمايرة: "لا أعلق آمالا كبيرة على مشاريع السلطة لأن قادتها يقولون كثيرا ولا ينفذون شيئت", مضيفا: "لا توجد أي احتمالات لنجاح مساعي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لإقامة دولة فلسطينية حقيقية ومتواصلة", ومبينا أن أي حكومة فلسطينية لن تستطيع مواجهة الاستيطان وإعادة الأراضي الفلسطينية.
ولفت إلى أن مستقبل الضفة سيكون أمام خيارين "الأول حل السطلة واعتماد إستراتيجية جديدة والمطالبة بدولة واحدة من النهر للبحر، وهذا صعب جدا، والخيار الثاني والأكثر واقعية هو استمرار الصراع".
وأوضح العمايرة أن (إسرائيل) تحاول طمس الوجود الفلسطيني، "لكن الصراع الديموغرافي في مصلحة الطرف الفلسطيني".
إبراهيم يرى من ناحيته أن سلام فياض أعطى فرصة ذهبية للتمدد الاستيطاني في الضفة بنسبة 150% خلال السنوات الماضية خاصة الأشهر الستة الأخيرة من عام 2012، "وهذا يؤكد أن القيادة (الإسرائيلية) تنظر إلى السلام على أنه مضيعة للوقت"، منوها في الوقت نفسه إلى إخفاق فياض في ترويج حله الاقتصادي.
وشدد أخيرا على أن السلطة لا تملك أي أوراق قوة يمكن أن تضغط بها على الاحتلال إلا المصالحة والمقاومة، "لذلك كلما اقتربت رام الله من المصالحة يشدد الاحتلال عقوباته عليها كما يشن هجمات شرسة ضد المقاومين في الضفة".