الرسالة.نت-محمد أبو قمر
اختلط مصطلح غسيل الأموال عندما تشعبت تفسيراته بناء على هوى القائمين على الحكم بالدولة حتى ساوى البعض بين تجار المخدرات والأموال التي تصب لصالح المقاومة ، وباتت تهمة "غسيل الأموال" جاهزة لمطاردة الجمعيات الخيرية وملاحقة الأيتام في لقمة عيشهم في الضفة المحتلة.
"الرسالة.نت" تسلط الضوء على ظاهرة غسيل الأموال واستغلالها لمصادرة أموال المقاومة والعمل الخيري في فلسطين.
أموال ممنوعة
اقتنصت بعض الدول والحكومات غسيل الأموال لتجيرها لأهدافها كما يقول الدكتور محمد مقداد أستاذ الاقتصاد بالجامعة الإسلامية حيث بات غسيل الأموال يضر بالجماعات الإسلامية والمقاومة في أحيان كثيرة ، وأصبحت التهمة جاهزة بأنها منظمات إرهابية محظورة وبالتالي تندرج ضمن غسيل الأموال .
وأوضح مقداد أن المقاومة تحارب بمنطق غسيل الأموال باعتبار ما يصلها ممنوعا ومخالفا للقانون ، وبناء على هذه التهمة تصادر الأموال .
وقد حاربت سلطة فتح في رام الله الجمعيات الخيرية التي تتبنى الأيتام والمحرومين وحركة حماس بغطاء "غسيل الأموال" .
وقد ارتبطت بداية مصطلح غسيل الأموال بشيوع المخدرات وانتشارها ، والتهافت على تناولها مما جعل منها سوقا رائجة تدر أرباحا خيالية، وإن كانت تعتمد على مغامرات تقوم بها مافيات متخصصة إلاّ أنها تستقر في النهاية بأسواق معينة لتباع بالمفرق ليسهل تناولها يومياً من قبل المدمنين عليها.
وأصبح للمخدرات أسواق خاصة موصوفة للزبائن فقط، فيجري بيعها يومياً قطعاً متفرقة، وهذا يستلزم أن تتناولها الأيدي البائعة والمشترية قطعاً صغيرة مستخرجة من أغلفتها، وعندئذٍ يكون لها روائح معينة تلتصق بأيدي بائعيها كما تلتصق هذه الروائح تلقائياً بالأموال المدفوعة ثمناً لها، وما إن يأتي آخر النهار إلا وهناك كميات كبيرة من الورق النقدي، وكلها لها روائح معروفة، فلا يستطيع أصحابها إرسالها إلى البنوك وهي على هذا الحال، فيقومون بعملية غسيل لها وتنظيفها من هذه الروائح حتى لا ينكشف سرها.
وتجري عملية الغسيل بوسائل معروفة لدى تجار المخدرات لا تؤثر على الأوراق النقدية
، وفي أواخر الدوام يدفعونها إلى حساباتهم في البنوك دون أية شبهة تطالهم ، فهو في حقيقته غسيل بمعنى الكلمة، ولكن بوسائل معينة مخصصة لهذا الغرض، هذا هو واقع وفي وقت لاحق ثم تطور (غسيل الأموال) ليصبح مدلوله يعني استعمال وسائل مالية وحيلا خادعة لإضفاء الشرعية والقانونية على هذه الأموال المكتسبة من مصادر قذرة غير مشروعة، وبات غسيل الأموال بمعنى تبييضها .
اختلاط المصطلحات
ويؤيد مقداد غسيل الأموال بمعناه الرسمي بمنع الأموال التي تأتي عبر تجارة المخدرات ، لكنه أضاف" نحن ضد توسيع المفهوم ليشمل المقاومة ، ومساواتها بالمخدرات".
وعاد مقداد ليؤكد على أن غسيل الأموال مرفوض شرعا وقانونا والحكومة الفلسطينية بغزة تحارب أموال المخدرات، لكنه شدد على رفضه لاختلاط الأمور.
وتعاني الجمعيات العاملة في الضفة منذ منتصف يونيو من العام 2007 من مضايقات سلطة فتح هناك ، ومصادرة الأموال بحجة أنها غير مشروعة ، وتحت ذريعة "غسيل الأموال، وباتت تستغل ذلك المصطلح لتنفيذ أجندتها الخاصة بها.
واتفقت قوات الاحتلال مع الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة وتجميد أرصدة الجمعيات الخيرية في عدة دول.
وكان وزير العمل أحمد الكرد قد قال أن سياسة الحصار انتقلت إلى الضفة الغربية وبأسلوب آخر وهو محاربة وإغلاق الجمعيات الخيرية التي تخدم عشرات الآلاف من الأيتام والأسر الفقيرة والمحتاجة والمعاقين , بالإضافة إلى أنها تدير العشرات من المدارس والمراكز الصحية والمشاريع الخيرية التي يعود ريعها على الأسر الفقيرة.
وأشار إلى أن تلك الإجراءات تتنافى مع جميع الشرائع والقوانين والأعراف الدولية ، وتأتي لمحاربة الأطفال واليتامى والأرامل والمرضى والمعاقين ، مضيفا أن هذه المؤسسات تعمل في مجال العمل الخيري منذ عشرات السنين في عهد الحكومة الأردنية وبعد ذلك في فترة الاحتلال ، ثم الآن في عهد السلطة الفلسطينية يتم إغلاقها .
ووصل الأمر ببعض الدول العربية كالمملكة السعودية أن تصدر قانونا يساوي بين عمل المنظمات التي وصفتها بالإرهابية وبين غسيل الأموال.
تطور الغسيل
وتطور مفهوم غسيل الأموال بعد أن ارتبط بالمخدرات ليشكل إعادة تدوير الأموال الناتجة عن الأعمال غير المشروعة في مجالات وقنوات استثمار شرعية لإخفاء المصدر الحقيقي لهذه الأموال ولتبدو كما لو كانت قد تولدت من مصدر مشروع، ومن أمثلة هذه الأعمال غير المشروعة (الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات - الرقيق - الدعارة - الأسلحة).
كما أن غسيل الأموال ارتبط بشراء ذمم رجال الشرطة والقضاء والسياسيين مما يؤدي إلى ضعف كيان الدولة واستشراء خطر جماعات الإجرام المنظم، هو باختصار البحث عن إجابة كاذبة للسؤال المعروف (من أين لك هذا؟)
ويقول الدكتور محمد مقداد أستاذ الاقتصاد بالجامعة الإسلامية أن غسيل الأموال ينطبق على كل عملية يكون هدفها إخفاء مصدر الأموال الممنوعة التي تتعارض مع القانون، وذلك من خلال إدخاله بعمليات تجارية أو نقله من حساب بنكي لحساب آخر أو وضع تلك الأموال في حساب رجل معروف كي تظهر بأنها تجارة.
وتؤكد الإحصاءات والتقارير الاقتصادية أن ظاهرة غسيل الأموال تتصاعد بشكل مخيف خاصة في ظل العولمة الاقتصادية وشيوع التجارة الإلكترونية ـ الغسيل الإلكتروني يتم في دقائق أو ثوانٍ معدودة من أجل الإسراع في إخفاء هذه العمليات الإجرامية.
وقد قدر خبراء الاقتصاد المبالغ المالية التي يتم غسلها سنوياً بترليون دولار، وهو ما يعادل 15% من إجمالي قيمة التجارة العالمية.
وذكر تقرير الأمم المتحدة مؤخراً أن سويسرا تحتل مرتبة متقدمة في الدول التي تستقبل الأموال المغسولة، والتي تصل إلى (750) مليون دولار سنوياً.
وتتقاسم بقية الكمية كل من لوكسمبورغ وإمارة موناكو والنمسا وجمهورية التشيك وأخيراً (إسرائيل).
وتدلل الحقائق على الأرض أن من يصادر أموال الجمعيات وحركات المقاومة بالضفة هو من يغسل الأموال نظرا لعدم معرفة مصير هذه الأموال .