باشر ستة فتيان فلسطينيون ذوو أعمار متقاربة تتراوح ما بين 14 إلى 16 عامًا بإنتاج أول عربة قطار سحب كهربائي في غزة، داخل قسم المختبر التابع لمركز (بناة الغد) أحد مراكز جمعية الثقافة والفكر الحر بمدينة خان يونس جنوب القطاع، وذلك بعد حصولهم علي ورش تدريبية مكثفة تلقوها من مدرب متخصص.
إبداع الفتيان الستة ليس سوى طلقة جديدة تدمى الحصار (الإسرائيلي) المفروض على سكان غزة للعام السابع على التوالي, لتؤكد أن أبسط الإمكانيات يمكن أن تجاري أعظم الماكينات العالمية إذا ما اقترنت بالعزيمة والمثابرة وصقلت بالفكر الإبداعي.
من هنا بدأت خيوط الحكاية وارتسمت صفحاتها حيث يشرح لنا الفتى محمد رمضان ابن الستة عشر ربيعًا أن ما ينتجه وفريقه عبارة عن رأس عربة قطار سحب تجر عربتين من الخلف، إحداهما خاصة بنقل الأطفال, وهي فكرة أطلقوها وتبنتها الجمعية, ويشرعون الآن في عملية تجميع ماتور العربة وكل قطعة في المحرك.
وذكر الفتى رمضان أنهم تلقوا ورشًا تدريبية قبل عملية جمع المحرك من الجانب الميكانيكي في العربة على يد المدرب محمد شهوان المشرف على عملية تصنيع العربة, حيث كانت له تجربة سابقة في انتاج عربة مشابهة.
ويطلب المدرب شهوان من فريق العمل -الفتيان الستة- جلب القطع وتركيبها على الهيكل الخاص بمحرك العربة، ومن ثم يشرع الفريق بعملية الجمع، وأثناء ذلك يحرص المدرب على تنبيه الفتية لأي خطأ يرتكبونه ويترك لهم خيار التصليح.
طريقة التدريب هذه أعطت الفريق القدرة علي معرفة الخطأ والصواب في عملية تركيب قطع المحرك، ويضيف رمضان: "نحن من نستطيع تحديد هل ما ننجزه أثناء عملية التركيب صحيح؟ وإذا لم يكن كذلك نبحث عن سبب الخطأ الذي ارتكبناه حتى نصل إلى التركيب الصحيح للقطع بطريقة علمية".
الفتى خالد عواد (15عامًا) عبّر عن فرحته لتركيب محرك العربة فهو بالنسبة له شيء جديد لم يكن قد جربها من قبل، رغم ولعله بتفكيك الأجهزة في البيت، ولكنه يعتبر هذه التجربة بمنزلة تحدٍ جديد.
وقال: "أخبرني زميلي محمد عن فكرة إنتاج عربة، فقررت المشاركة (..) شيء جميل أن ننتج عربة ونحن ما زلنا فتيان صغار، عوضًا عن أنها التجربة الأولي لنا جميعًا".
وأوضح الفتى عوّاد أنه تعلم العديد من الأمور الجديدة، منها عمل المحرك وقدرته علي جر العربات باستخدام الطاقة الكهربائية ومحول الطاقة الكهربائية إلى حركية، والفرامل والضاغطات التي تتحمل الاحتكاك والعفشة والآلة الجر والتحكم بالمقود، وعمل كل قطعة علي حدي وطريقة لف البراغي بطريقة صحيحة ولوحة التحكم وطريقة تركيب البطاريات وعملها، والكثير من التفاصيل الأخرى.
ما يميز هذا العمل -وفق الفتى عواد- أنهم يتعلمون من تلقاء أنفسهم، فبسواعدهم يركبون كل قطعة ويجربونها كذلك من أجل الوصول إلى التركيبة الصحيحة للمحرك.
ويضيف: "تبلغ قوة المحرك الكهربائي الذي أنهينا تركيبه 36 فولت أي 65 أمبير، حيث تركب عليه ثلاث بطاريات قابلة للشحن، وتبلغ قوة كل واحدة 12 فولت، توضع علي التوالي لتصبح قوة البطاريات هي قوة المحرك إذا تم توصيلها بلوحة المحرك, ونستطيع بذلك التحكم بقوته".
ويبين الفتى عوّاد أن المحرك يستطيع أن يعمل علي قوة 12 فولت و24 فولت و36 فولت وحسب رغبتهم في سرعة المحرك، ويستطيع أن يتحرك لمدة 4 ساعات تقريبًا.
ولم يقف العمل عند هذا الحد، فيقول عواد: "عندما ننتهي من انتاج رأس القطار وعمل الهيكل الخارجي ووضع الكراسي وتجربته، سنبدأ بإنتاج عربات الجر التي ستقل الأطفال".
ومن جانبه، قال حسام شحادة مدير البرامج بجمعية الثقافة والفكر الحر :"إن الأطفال يملكون قدرة كبيرة جدًا على إعطاء أفكار مبدعة وتطبيقها في حال إعطائهم مساحة واسعة للتعبير عن أفكارهم وتوفير الإمكانيات لترجمتها على أرض الواقع، وهذا ما نحرص على توفيره".
وأكد شحادة أن المشروع يأتي ضمن مبادرات تشرف عليها جميعه الثقافة والفكر الحر، تهدف لتنمية قدرات الفتيان ميكانيكيًا وتشجيع الجانب الإبداعي لديهم وتطوير قدراتهم.
وأضاف: "بعد الانتهاء من العمل يستطيع أي فتى من الفريق إنتاج عربة بمجهوده الذاتي؛ لأنه هو من طبّق العمل وأنتجه بيديه، وبذلك نكون قد ساهمنا في تنمية وإنتاج مهارات جديدة في غزة".
وشكر الفريق إدارة مركز "بناة الغد" لتشجيعهم وتطوير قدراتهم ومواهبهم وتبنيها لأفكار الفتيان وتمويلها وتوفير جميع الاحتياجات اللازمة لنجاحها وإظهارها للنور ومتابعتهم والإشراف عليهم.
وينتظر أطفال خانيونس موعد انطلاق قطار الفتية الستة ليعلنوها فرحة ورسالة بأن هناك طاقات شابة تبحث عن مساحة للإبداع.