قائمة الموقع

المحافظة الوسطى دون مسلخ.. وذبح المواشي خارج الرقابة!

2013-07-07T11:30:31+03:00
لحوم المواشي تباع على "الكارو"
غزة - محمد أبو حية

تُساق المواشي لمسالخ عشوائية، وتذبح دون فحص بيطري، وتنقل لحومها للأسواق بعربات "الكارو" و"التوكتوك"، ويعرض اللحم خارج محال الجزارة، ولا تدمغ كميات كبيرة من اللحوم وفقا للقانون؛ هكذا يبدو المشهد يوميا في المحافظة الوسطى وسط قطاع غزة التي تخلو من مسلخ بلدي رسمي على الرغم من أن عدد سكانها يبلغ نحو 249 ألف نسمة.

"الرسالة" سعت للتحقيق في أسباب غياب الرقابة على ذبح المواشي في العشوائيات بالمحافظة والتجاوزات الخطرة التي تشوب عملية نقل اللحم وتسويقه والأضرار التي تلحق بالإنسان نتيجة تناول لحوم الحيوانات المريضة.

الجهات المختصة تهربت من مسؤولياتها في الرقابة على المسالخ العشوائية والخاصة بالمحافظة الوسطى التي لا يوجد فيها مسلخ بلدي، فيما اختلف المسؤولون حول الإجراءات التي يجب إتباعها للحفاظ على صحة المستهلك حتى لا يقع ضحية إهمال الأطراف المعنية.

الطب الوقائي في الرعاية الأولية بوزارة الصحة الفلسطينية، أكد أن بعض الجزارين يذبحون مواشي مريضة، لعدم وجود مسلخ بلدي في المحافظة وغياب الرقابة على المذابح الخاصة والعشوائية.

وقال الدكتور بشار شحادة رئيس قسم الطب الوقائي بالمحافظة الوسطى في حديث لـ"الرسالة"، "إن خطورة استهلاك لحوم المواشي المريضة تكمن في حقنها بعقاقير المضادات الحيوية، وعندما لا تتماثل للشفاء يجري ذبحها دون فحص بيطري وتبقى آثار الأدوية في اللحم".

وأكد أنه "جرى ضبط كميات كبيرة من اللحوم الفاسدة في المحافظة بعضها يعود لمواشي مريضة، كما ضبطت لحوم لأبقار تدهورت حالتها الصحية بعد الولادة فجرى ذبحها خشية نفوقها".

وشدد شحادة على أنه لا توجد رقابة بيطرية على الحيوانات التي تذبح في الوسطى بمسالخ خاصة وعشوائية، موضحا أن لحوم المواشي المحقونة بعقاقير المضادات الحيوية تعرض حياة المستهلك للخطر جراء استمرار مفعول الأدوية في اللحوم حتى بعد الطبخ.

وتنص المادة 8 من القانون على أنه "لا يجوز ذبح الحيوانات التي يراد استهلاكها للأكل خارج المسلخ، ويحظر عرض اللحم ما لم يكن مدموغا بالختم الرسمي".

"

الطب الوقائي: رصدنا تسويق لحوم حيوانات حقنت بعقاقير خطرة على الإنسان

"

وحصلت "الرسالة" على فيديو وصور للحوم الفاسدة أثناء مصادرتها من بعض الجزارين على يد الطب الوقائي ومباحث التموين وبلدية البريج.

واستطرد شحادة بالقول: "أحد أسباب فساد اللحوم الطازجة تعرضها للتبريد لدرجة منخفضة جدا وتركها لتسيح في اليوم التالي وتكرار العملية لأكثر من مرة، إضافة لعرضها على أبواب محال الجزارة دون تبريد".

وكشف لـ"الرسالة" أن "الطب الوقائي في الوسطى ضبط بعض الجزارين يسيحون اللحوم المجمدة ويبيعونها على أنها طازجة!".

رقابة ضعيفة

إنطلق مراسل "الرسالة" للتحري حول رقابة أقسام الصحة في بلديات المحافظة الوسطى على عمليات ذبح المواشي، وشملت الجولة كلا من دير البلح، والبريج، والنصيرات.

رئيس قسم الصحة والبيئة في بلدية النصيرات المهندس علي الهباش، نفى وجود رقابة من القسم على المسالخ الخاصة والعشوائية في المخيم، قائلاً: "لا نعرف أين تذبح المواشي، ومن أين يأتي بعض الجزارين باللحوم التي يعرضونها في محلات الجزارة".

وقال الهباش في حديث لـ"الرسالة" إن البلدية تتحمل جزءا من المسؤولية عن الرقابة، فيما تتحمل وزارة الزراعة، ووزارتا الاقتصاد والصحة الجزء الآخر.

وأرجع انعدام الرقابة لعدم وجود مسلخ بلدي بالمحافظة الوسطى ينظم عملية ذبح المواشي وفحصها قبل الذبح للتأكد من سلامتها.

وكان في المحافظة الوسطى مسلخ بلدي تأسس عام 1981 قرب قرية المصدر، واستمر العمل به لمدة 15 عاما، ونتيجة لعدم وجود بنية تحتية، بالإضافة للأزمات التي مرت بها البلديات انتهى الأمر بإغلاقه لأنه بالإيجار ولظروف أخرى بحسب بلدية دير البلح.

ورصدت "الرسالة" نقل اللحوم من المسالخ الخاصة في المحافظة الوسطى إلى الأسواق على متن عربات "الكارو" و"التوكتوك" في ظروف تفتقد للحد الأدنى من الشروط الصحية، وجرى توثيق ذلك بالصور والفيديو.

وتتفاوت الرقابة على المسالخ العشوائية وذبح المواشي من بلدية لأخرى، لكن كبرى البلديات بالمحافظة الوسطى أقرت جميعها بضعف الرقابة وعدم انتظامها.

وقال رئيس قسم الصحة والبيئة في بلدية دير البلح الدكتور سلمي بن سعيد لـ"الرسالة" : "أزور الجزارين وأماكن الذبح التي أعرفها في دير البلح قدر الإمكان، ولو وجد مسلخ ستكون العملية أسهل".

"

بلدية النصيرات: لا نراقب المذابح الخاصة بالنصيرات أو عملية توزيع اللحم

"

ورفض بن سعيد حديث "الرسالة" عن انتشار لحوم طازجة غير مختومة في مدينة دير البلح؛ فطلب المراسل الانتقال برفقة كل من الدكتور بن سعيد، وحسين نصار مفتش الصحة في البلدية إلى سوق المدينة.

تجولنا برفقة "نصار وبن سعيد" على عدد من محلات الجزارة في دير البلح؛ فاكتشفنا وجود بعض الجزارين يبيعون اللحوم دون أختام ما يدل على ذبحها في عشوائيات وبعيدا عن الرقابة.

وأخرج أحد الجزارين وسط المدينة ختما معدنيا –نوع من أختام اللحوم- كان قد أخفاه في منضدة بمحله مدعيا أنه أزاله من اللحم قبل لحظات من زيارتنا.

رفض بن سعيد رواية الجزار، قائلا: "الطبيب البيطري في مسلخ غزة البلدي الذي تدعي أنك جلبت منه اللحم يضع الختم المعدني في عصب الذراع أو الفخذ بعيدا عن اللحم ليبقى حتى النهاية".

ارتفع صوت الجزار، وحمل البلدية مسؤولية عدم وجود مسلخ مرخص ومعروف للذبح وختم اللحوم قبل أن تعرض في الأسواق.

وفي محل آخر بدير البلح، كان يعرض أحد الجزارين اللحم دون ختم، فراح "بن سعيد" يوبخ الجزار وحذره من شراء اللحوم من جزارين مجهولين ودون أختام.

في الأثناء، أكد الدكتور شحادة أن "بعض الجزارين يستدعون الدكتور سلمي بن سعيد لختم اللحوم بعد عملية الذبح دون إخضاع الحيوان للفحوصات الطبية والبيطرية!".

ويستهلك سكان المحافظة الوسطى البالغ عددهم نحو 236 ألف نسمة؛ خمسة عجول يوميا بحسب ما أكد الدكتور بن سعيد.

ليست مهمته

تغيب الرقابة على ذبح المواشي وختم اللحوم في المحافظة الوسطى لأسباب عدة من بينها أن بلديات المحافظة تعتمد على الدكتور بن سعيد بينما الأخير ينفي مسؤوليته الرسمية عن ذلك. وقال المهندس شوكت النجار مدير دائرة صحة البيئة في بلدية البريج إن "البلدية تعتمد على بن سعيد في ختم اللحوم ومراقبتها ومتابعة المسالخ العشوائية والخاصة بالمحافظة".

وهنا يرد بن سعيد بالقول: "أنا رئيس قسم الصحة والبيئة في بلدية دير البلح منذ 15 عاما والجولات التي أجريها للكشف على اللحوم وبعض أماكن الذبح في المحافظة الوسطى تطوعية ولا يوجد طبيب بيطري متفرغ لهذا العمل".

"

بلدية دير البلح: لا يوجد طبيب بالوسطى متفرغ للكشف على اللحوم وأماكن الذبح

"

وتابع بن سعيد: "أراقب الذبائح قدر المستطاع في دير البلح وأختمها باللون الفوشي على شكل مثلث، وكل هذا العمل تطوعي وليس من صلب عملي، بسبب الافتقار إلى مسلخ بلدي وطبيب مختص".

وعلمت "الرسالة" من مصادر خاصة -رفضت الكشف عن هويتها- أن بعض الجزارين يضعون الأختام على لحوم المواشي التي يذبحونها عبر تقليد الختم.

تجدر الإشارة إلى أن الختم المعتمد في المحافظة الوسطى يصنع من قطعة خشب على شكل مثلث ويوضع له مقبض بلاستيكي، فيما يجلب بعض الجزارين اللحوم من مسلخ غزة المركزي ويكون عليها أحيانا ختم معدني.

ويتلف الطب الوقائي في المحافظة الوسطى بمساعدة مباحث التموين أي كميات من اللحوم الفاسدة أو التي تعود لمواشي مريضة لحين إيجاد مسلخ مرخص تراقب فيه الذبائح.

وقال النجار رئيس قسم الصحة ببلدية البريج: "لا نستطيع الضغط على الجزارين لأنه لا يوجد بديل للذبح خارج العشوائيات، وستكون لديهم ذرائع للتهرب من الرقابة".

وأكد أن الذبح العشوائي وصل لمرحلة خطرة، ولابد من وجود حل للقضية عبر تدخل الأطراف المعنية كافة، داعيا للذبح في مسلخ غزة البلدي لحين إيجاد مذبح خاص بالمحافظة الوسطى.

ذبح مرفوض وأمراض خطرة

حملت "الرسالة" القضية للطب البيطري في وزارة الزراعة الفلسطينية للتعرف على الأخطار التي تهدد حياة المستهلك جراء الذبح في مسالخ عشوائية ونقل اللحوم في ظروف غير صحية.

أبدى الدكتور زكريا الكفارنة مدير عام الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة امتعاضه من القضية، مؤكدا أن عمليات الذبح خارج المسالخ الرسمية مرفوضة لأن فيها ضرر بالغ على صحة الإنسان لعدم خضوع الحيوانات ولحومها للرقابة الصحية.

وقال الكفارنة: "يجب نقل الحيوانات إلى المسالخ الرسمية قبل ذبحها بيوم لإخضاعها للفحوصات البيطرية اللازمة، وبعد الذبح تنقل اللحوم لثلاجات التبريد ومن ثمن إلى سيارات مبردة حتى تصل إلى محال الجزارة في الأسواق بأمان".

"

بلدية البريج: الذبح العشوائي وصل لمرحلة خطرة، ولابد من وضع حل للقضية

"

ويتسبب تناول لحوم المواشي المريضة بأمراض عدة للإنسان، وكشف الكفارنة لـ"الرسالة" أن من بينها "الحمى المالطية -أكثرها انتشارا-، والسل، والأكياس المائية".

وأشار إلى أن الحمى المالطية تسبب للمستهلك التهابات في المفاصل، وارتفاعا في حرارة الجسم وصداعا شديدا، كما تحتاج للعلاج على المدى الطويل.

وبين الدكتور الكفارنة أن مرض الأكياس المائية قد ينتقل للإنسان جراء تناول لحوم الخراف والماعز التي لا تخضع للفحوصات البيطرية قبل الذبح، لافتا إلى أن هذا المرض يصيب الأغنام جراء تناول الأعشاب التي تتبرز عليها الكلاب الضالة في المراعي المحلية، بحيث تبدأ دورة حياة المرض في أحشاء الأغنام ومن السهل أن تنتقل للإنسان إذا تناول لحومها.

وأكد الكفارنة على ضرورة التأكد من الأختام على اللحوم قبل شرائها، قائلا: "وزارة الزراعة حددت الأختام التي يجب أن تكون على اللحوم الحمراء وقدمنا نماذج لها ويجب أن تتوفر لدى أقسام الصحة في بلديات الوسطى".

يذكر أن بلديات دير البلح، والنصيرات، والبريج، -التي اتخذتها الرسالة عينة- تخلو من قانون واضح للأختام التي يجب أن تكون على اللحوم، وقالت كل بلدية في حديث منفصل لـ"الرسالة" إن الأختام لدى الطب الوقائي بوزارة الصحة وهو ما نفاه الأخير!.

نراقب الأسعار

وتنقل اللحوم الحمراء الطازجة للأسواق في ظروف غير صحية عبر "الكارو" و"التكتوك"، ويعد دور وزارة الاقتصاد الوطني الأساس في مراقبة نقل اللحوم وتخزينها ومتابعة أسعارها.

"

وزارة الزراعة: لحوم الحيوانات المريضة تنقل الحمى المالطية والسل للمستهلك

"

وأكد المهندس عبدالفتاح الزريعي المدير العام لمكاتب المحافظات وحماية المستهلك بوزارة الاقتصاد، أن فرق الوزارة الرقابية رصدت عدم وجود أختام على كثير من اللحوم في محلات الجزارة بالمحافظة الوسطى وخاطبت الجهات المعنية للتحرك.

وقال إن مهمة الوزارة تتركز في مراقبة أسعار اللحوم وعمليات بيعها في الأسواق بالإضافة لمراقبة النقل والتخزين.

وطالب الجهات المعنية في المحافظة الوسطى بمراقبة أماكن الذبح الخاصة والعشوائية وإرغام الجزارين على شراء اللحوم من مسالخ مرخصة مثل مسلخ غزة البلدي لحين إيجاد بديل.

وحول اختلاف الأختام التي يجري دمغ اللحوم بها في أسواق القطاع، قال الزريعي إن وزارة الإقتصاد ستبحث هذه المشكلة لتوحيد لون الأختام ونوعها في محافظات القطاع كافة.

وتدمغ كل محافظة اللحوم بلون خاص بها وتعتمد "الوسطى" اللون "الفوشي"، فيما رصدت "الرسالة" وجود أختام باللون الأخضر وكثير من اللحوم لا تكون عليها أختام!.

واستطرد الزريعي بالقول: "الأمر يحتاج لضبط عاجل وتوحيد القوانين والمعايير لتطبيقها في القطاع وهو ما يستدعي وضع أنظمة خاصة بالبلديات دون تأخير".

عرض اللحوم

عرض اللحوم خارج أسوار محال الجزارة يجعلها عرضة للتلوث بعوادم السيارات والأتربة والحشرات كما أنها قد تفسد سريعا في ظل ارتفاع درجات الحرارة وعدم توفر ثلاجات عرض مبردة في كثير من المحال.

وهنا، قال الدكتور الكفارنة، "الأصل أن تعرض اللحوم في ثلاجات عرض مبردة طوال فصول العام، إلا أن الجزارين يعلقونها في الهواء الطلق".

"

وزارة الإقتصاد: رصدنا كميات لحوم بالمحافظة لا توجد عليها أختام

"

وأكد الكفارنة أن اللحوم الطازجة التي تعلق خارج محال الجزارة تكون بيئة خصبة للبكتيريا والحشرات، معربا عن أمله في سن قوانين من وزارة الزراعة والوزارات المعنية للقضاء على هذه الظاهرة في محافظات القطاع كافة.

الدكتور بن سعيد، قال: "على الرغم من أن درجة الحرارة مرتفعة حاليا؛ لا أستطيع إجبار الجزار على وضع اللحم في ثلاجة العرض المبردة خشية عدم الإقبال عليه من المستهلكين".

وأضاف بن سعيد: "تعليق اللحوم في الهواء الطلق ينسحب على جميع محلات الجزارة بالقطاع ولا نستطيع تطبيق قوانين أوروبا في المحافظة".

في الأثناء، قال الدكتور شحادة إن الطب الوقائي طالب بمنع بيع اللحوم المعلقة في الهواء وإلزام جميع الجزارين بوضعها في ثلاجات عرض مبردة وتوفير بيئة صحية وفنية في محلات الجزارة.

وكشف لـ"الرسالة" أن الطب الوقائي خاطب محافظ المنطقة الوسطى فؤاد أبو بطيحان وحصل على الدعم القانوني اللازم لمنع بيع اللحوم الطازجة خارج ثلاجات العرض في أسواق المحافظة الوسطى، لافتا إلى أنه سيجري تطبيق القرار خلال أيام.

وتبقى حياة المستهلك مهددة بالخطر في المحافظة الوسطى ما لم تتحرك كل الجهات المعنية لمنع الذبح العشوائي وإغلاق المسالخ الخاصة والعشوائية، كما يجب العمل على إيجاد بديل للذبح لحين إنشاء مسلخ مرخص ومراقب في المحافظة.

اخبار ذات صلة