يرقد حمدان حمد معظم الوقت دون عمل، لكن ذهنه يظل مشغولا بمصير النفق العميق الذي يحرسه، متسائلًا: هل سيعود للعمل من جديد؟! أم سيتم تدميره؟! أم سيتحول إلى عمل أخر في منطقة لجلب البضائع إلى غزة؟.
وكان حمد -في العقد الثالث من العمر- يضع رأسه على وسادة متسخة قرب فوهة نفق بين قطاع غزة ومصر، مخصص لجلب الحصى والأسمنت من مصر إلى قطاع غزة.
ويحصل الشاب الذي يعاني من إعاقة في ساقه الأيمن على 50 شيقلا (15 دولار أمريكي) لقاء حراسة النفق لإثنتى عشرة ساعة يوميا.
وللأسبوع الثاني على التوالي لم يتقاضَ راتبه؛ نظرا لأن النفق توقف عن توريد الحصى والأسمنت منذ مطلع الشهر الجاري خشية اكتشافه وهدمه من قبل الجيش المصري المتمركز على الحدود.
وسمحت الأجهزة الأمنية الفلسطينيينة لوسائل الأعلام المحلية والدولية مساء أول من أمس الجمعة، بدخول منطقة الأنفاق للوقوف على نتائج حملة التدمير التي طالتها خلال الأيام الماضية.
وهذه الحملة ضد شرايين الحياة -وفق ما يسميها الفلسطينيون- هي الأشد، وتعني عودة القطاع إلى سنوات الحصار الأولى بعد أن تولت حركة "حماس" إدارة شؤون غزة في صيف العام 2007.
لكن مالكي أنفاق والعاملون فيها أكدوا خلال مقابلات منفصلة مع مراسل "الرسالة نت" أن زوال الأنفاق يبقى أمرا مستحيلا طالما لا يوجد بديل لتوريد احتياجات قطاع غزة.
وقال المواطن إحسان (32 عاما) الذي سُحق شقيقه في باطن الأرض قبل ثلاث سنوات "لقد حفرنها بالدم .. أخي وعشرة من مئات الذين عملت معهم في باطن الأرض لقوا حتفهم".
وإحسان يملك أسهم نصف نفق لا يزال يورد الاسمنت إلى غزة على الرغم من الإجراءات المصرية. وقال بصوت قاطع "لقد دمروه مرتين وأعدنا بناءه .. عليهم أن يفهموا أننا لا نريد سوى توفير احتياجات شعبنا ولا بد من إيجاد البديل كي تغلق الأنفاق".
وقال عامل كان في طريقه للاطمئنان على مصير النفق الذي يعمل فيه "لليوم الخامس أصل إلى هنا لكن دون جدوى .. لا عمل لا مال إنها حياة بائسة..".
وعلى طول الحدود البالغة ثلاثة عشر كيلو متر ينتشر العشرات من أفراد الأمن الوطني الفلسطيني؛ لتأمين الحدود لكن كثيرًا منهم ذكر أن ما يجري في الجانب المصري "بالغ الخطورة".
ويواصل الجيش المصري للأسبوع الثاني على التوالي هدم فتحات الأنفاق الحدودية، ويشن حملات تدمير لمخازن البضائع والسلع والمحروقات في عمق سيناء حتى لا يتم توريدها لغزة.
ومشهد التدمير بهذا الحد يتصاعد يومياً منذ "الانقلاب العسكري" على الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، وتسبب في انخفاض حركة العمل وسير الشاحنات في الجانب الفلسطيني من الحدود.
وقُتل مئات الفلسطينيين بينما أصيب آخرون بإعاقات أثناء عملهم في تلك الأنفاق بفعل الغارات (الإسرائيلية) والإجراءات المصرية والانهيارات الترابية خلال السنوات السبع الماضية.
ودفع الجيش المصري لأول مرة بقوات من النخبة وآليات عسكرية ثقيلة بينها دبابات من نوع "أم1 أبرامز" الأمريكية على طول الشريط الحدودي الفاصل مع غزة مطلع الشهر الجاري.
وقال مسؤول في هيئة الحدود التابعة لوزارة الداخلية، إن الجيش المصري سحب آلياته الثقيلة لمسافة نصف كيلو جنوب الحدود، لكن المعدات التابعة لوحدات الهندسة المصرية تواصل عمليات التدمير دون توقف.
وقال حسين برهوم ويعمل في نفق لتوريد المحروقات إلى غزة "لقد كانت الأيام الماضية صعبة وكبدت العاملين على جانبي الحدود خسائر باهظة".
وأوضح جملته قائلا "لقد دمر الجيش المصري معدات للضخ ومخازن محروقات يصل ثمنها مئات الآلاف من الدولارات".
أما السائق محمد محمود الذي تزوج قبل بضعة أشهر، أصبح عاطلا عن العمل بعدما ادّخر مصروف فرحه وتجهيز منزله من خلال عمله على شاحنة لنقل الحصمة من الأنفاق إلى غزة.
وقال رئيس بلدية رفح صبحي أبو رضوان لـ"الرسالة نت": إن "ما يجرى ضد الأنفاق أمر غير مبرر؛ لأن الفلسطينيين لم يتوفر لهم بديل في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي".
وأوضح أن الحملة المصرية ضد الأنفاق تسببت بحالة شلل في حركة البناء بقطاع غزة وتوقف المشاريع التي تنفذها بلدية رفح.
ودعا أبو رضوان الشعب المصري إلى التصدي للأصوات المهاجمة لأنفاق غزة والشعب الفلسطيني وقال "إن غزة تمثل خط الدفاع الأول عن مصر وشعبها، خصوصًا أن العدو الإسرائيلي يتربص بالفلسطينيين والمصريين".