بيت بلا إنارة، شديد الظلام، رائحته نتنة، الحشرات تملؤه أرضًا وجوًا، ولا تسلم الجدران من وجود "بقع" باللونين "الأسود والبني"، مليئة بـ "الـصراصير".
كهف الحاجة "مجدية"، عذرًا منزلها، تتعثر أقدام القادم إليه، فقد يقع على وجهه، وإن أراد الجلوس فلا مكان يصلح لذلك.
تطرق جارتها الباب، تطرح السلام وتقول لمجدية " كل عام وأنت بخير يا حجة "، تنظر إليها وتجيب " كل سنة وأنا بحالة أسوأ يا بنتي، اقعدي.. اقعدي".
تجلس مجدية على طرف سريرها الذي يعتبر كل حياتها رغم رداءته، فلا هو يصلح للأصِحاء، أو المرضى، ولا حتى للأموات.
وتضع الحاجة يدها أسفل ذقنها، أقعدتها أمراض عدة، ألمّت بجسدها الهزيل، وسبب الأمراض "الزعل والنكد" وفق قول مجدية لـ"الرسالة نت".
تعاني من شلل عصبي، وأمراض "السكري، والضغط الشرياني الدموي"، وأصيبت بجلطة قلبية مع هبوط بوظيفة البطين الأيسر، وتراكم للمياه على الرئتين.
لها ثلاثة أبناء، لا يعيلها منهم سوى واحد، وإعالته خلال الشهر 20 شيقل، تصرف على نفسها منها، لشراء الأساسيات.
تضع مجدية رأسها على وسادتها، تجد "الصراصير" بدأت بالمشي أمام عينيها، فتطردهن بيدها، تحرك كفها وتبعدهن قليلًا، وتقول " لا ونيس غير هالصراصير".
جدار غرفة الحاجة يكسوه اللونين "الأسود، والبني"، لا يكتفِ الأمر على هذا القدر، ففراشها ووسادتها، وحتى على صحون الطعام بالمطبخ، أو بالدولاب، كله كائنات "مستفزة"، اسمها "صراصير".
ساد الصمت قليلًا، نادت العجوز على حفيدتها التي كانت تساعدها في حجرتها، قائلةً "اعملي فنجان قهوة"، فأي قهوة تشرب وأي حال هذا الذي تعيش به مجدية..!
وعند سؤالها "أين الرعاية بك"، فتبدأ دموعها تسيل وايماءات وجهها لا تزال كما هي، حتى بدأ صوتها ينتحب، وتقول "كل يوم أطلب أن أذهب لدار المسنين، فيها من يخدمني ويرعاني".
تمسح دموعها وتأخذ نفسًا عميقًا، يتلوه شهقة من آثار البكاء، وتتابع " أنا مقعدة، وأستخدم البامبرز، وأمواله من فاعلي الخير، ونادرًا ما أجد من يساعدني، نسوان أبنائي سرقوهم مني، وعند طلبي من واحدة احضار شيء، تقول شوفي غيرنا".
يكسو وجه مجدية الحزن، تسألها جارتها الذي رافقت "الرسالة نت" الزيارة " شو نفسك يا حجة "، تجيب ورأسها مسند على الحائط، بجوار "صرصور"، " نفسي بكتير أشياء وما بألاقيها، بأتمنى لمن أحتاج بامبرز للغيار ألاقيه موجود، أو يمر عليّ عيد وحد يعطيني عيدية".
يرسم العيد البسمة على وجوه الناس، إلا عند مجدية، حالها يبقى كما هو، لا ترتيبات في أركان غرفتها المبعثرة، ولا عيدية نقدية توضع في يدها، تسمع وراءها كلمة " كل عام وأنت بخير".
لا تجد إلا أحفادها يأتون في صباح يوم العيد، يطلبون "عيدية"، فتقول " إن خبطتني بالحيط ما بتلاقي معاي شيقل، من وين أعيدهم؟".
تحتاج في بعض الأوقات صوتًا يسليها، تنظر عن يمين غرفتها بجانب السرير صاحب الرائحة النتنة، يوجد تلفزيون "تعيس"، منظر بلا فائدة، تتمنى لو كان يعمل لبعض الوقت، لتعلم ما يدور من حولها.
دولابها يعتبر مسكنًا لعائلة "الصراصير" التي استوطنت معها، مطبخها لا تنظر إليه حتى لا تصاب بتقلب الأمعاء، وحمامها "أعتذر عن الوصف"..!
المرض، والتعب، والشقاء، والمسكن، والأبناء، وزوجاتهم، شهر رمضان، وكل عيد، جميعهم خارطة حزن ترتسم بقلب مجدية، فهل يبقى الحزن إلى أن توارى الثرى، أم تعيش يومًا سعيدًا بدنياها؟!