تدعم السلطة الفلسطينية بقوة أي إجراء من شأنه محاربة حكم حماس في قطاع غزة وتقويضه لما لذلك من أثر في تعزيز نفوذه في المنطقة بعد أن فقد بوصلته في أروقة السياسة.
وحتى لا يضيع عباس فرصة توطيد العلاقات مع المجلس العسكري المصري المنقلب على رئيسه المنتخب محمد مرسي على حساب الفلسطينيين، اجتمع خلال اليومين الأخيرين بمختلف الدوائر السياسية المصرية العليا ليؤكد دعمه الانقلاب ورؤيته المتعلقة بإعادة محاصرة قطاع غزة.
وكشفت وثائق ومخاطبات رسمية بين دائرتي الرئاسة وجهاز المخابرات العامة في السلطة الفلسطينية عن نية السلطة ورئيسها "عباس" توريط حركة حماس وقطاع غزة فيما يدور في القاهرة من أحداث، علما أن غزة لم تسلم بعد من هجمة التحريض التي يمارسها الإعلامي المصري ضدها.
وأشارت الوثائق إلى رسائل جرى تداولها بين مؤسسة الرئاسة وجهاز المخابرات العامة تطالبه بضرورة تجهيز أوراق وخطط للتحريض على حماس، مبينة استعداد الإعلام المصري لشن حملة على الحركة واتهامها بقتل الجنود المصريين في رمضان الماضي 2012.
ومنذ الإطاحة بالرئيس مرسي يشن الإعلام المصري حملات متلاحقة ضد حماس، فيتهمها بالمشاركة في هجمات سيناء على الجيش، والتحيز لمصلحة جماعة الإخوان المسلمون، والمشاركة في الأحداث الدائرة في القاهرة.
ويرى مراقبون أن محاولة السلطة و"عباس" إنشاء الوقيعة بين مصر وحماس تأتي على حساب الفلسطينيين المحاصرين في القطاع، لأنه يدعو إلى القضاء على ظاهرة الأنفاق وتدميرها كليا فضلا على معارضته إقامة منطقة تجارية حرة بين البلدين تضمن توفير احتياجات غزة وتمكنها من الاستغناء عن الارتباط بالاحتلال اقتصاديا.
وأكد المراقبون أن اصطحاب "عباس" الذي زار القاهرة رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية في زيارة هي الثانية لرئيس عربي يلتقي "السيسي" في أعقاب الانقلاب على الرئيس مرسي، ما هو إلا تأكيد للدور الأمني الذي يلعبه عباس ضد الفلسطينيين في غزة، مشددين على أن غاية (أبو مازن) إضعاف حركة حماس وإعادة فرض العزلة عليها سياسيا واقتصاديا.
والتقى رئيس السلطة في القاهرة رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية الوزير محمد التهامي بالإضافة إلى عدد من قادة الجهاز، فأجروا محادثات مطولة، والتقى بعد ذلك وزير الخارجية المصري نبيل فهمي.
وبادر عباس خلال لقائه المسؤولين المصريين إلى رفض إقامة منطقة تجارية حرة مع غزة بحجة أنه لم يجر مناقشته في الأمر، وقال: "السلطة الفلسطينية ترفض رفضا قاطعا أن يؤخذ سنتيمتر واحد من أي دولة عربية شقيقة"؛ في إشارة إلى مزاعمه نية سكان غزة التوطن في صحراء سيناء.
وعلى نحو متصل، فإن أبو مازن عقب خلال وجوده في القاهرة على آلية فتح معبر رفح البري وهو المنفذ الوحيد لغزة على العالم، فقال: "نحن مستعدون لأن نرجع إلى اتفاق 2005 لنطبقه، ويوجد فيه معبر للأفراد وآخر للبضائع بالاتفاق بيننا وبين مصر و(إسرائيل) (...) آمل أن تغلق الأنفاق في أقرب وقت لنبدأ صفحة جديدة وننهي معاناة أهلنا في قطاع غزة".
وكان الفلسطينيون قد حفروا الأنفاق على الحدود مع مصر في ذروة حصار قطاع غزة إبان فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية يناير 2006 من أجل إدخال الاحتياجات الأساسية والبضائع والأغذية إلى القطاع، علما أن تلك الوسيلة التي لجأ إليها الفلسطينيون لم تحظ بقبول عباس، فهاجمها أكثر من مرة متهما القائمين عليها بإزهاق أرواح المواطنين.
وقال في تصريحاته الأخيرة مع رؤساء تحرير الصحف المصرية: "الأنفاق غير مقبولة، وهذا ما أكدناه منذ 7 سنوات فقد طالبنا دائما بإغلاقها شريطة ألا يتأثر إمداد إخواننا في القطاع بالمواد الأساسية والاحتياجات الضرورية".
حركة حماس عقبت في المقابل على تصريحات عباس بالقول على لسان المتحدث باسمها فوزي برهوم: "(إسرائيل) للأسف لم تعد تطالب بالعودة إلى العمل على معبر رفح لأنها خرجت من غزة، بل لم تطالب بإحياء اتفاقية 2005 التي انتهت وتخلص منها شعبنا، في حين ذلك فإن "أبو مازن" يصر للأسف على عودة مخابرات الاحتلال والمراقبين الأوروبيين للعمل على المعبر".
وأوضح برهوم أن عودة عباس إلى الحديث عن إعادة عمل المعبر وفقا لاتفاقية 2005 غرضه عرقلة حركة المسافرين، مشيرا إلى أن الاتفاقية كانت سببا في معاناة مليوني فلسطيني في غزة.
واستنكر المتحدث باسم حماس ما طلب عباس من المصريين بشأن الأنفاق والمنطقة التجارية الحرة، متسائلا: "هل دور رئيس الشعب الفلسطيني التحريض على شعبه؟".
وذكر أن الوثائق التي جرى الكشف عنها سابقا تأكيد لحرص "أبو مازن" على الوقيعة بين المجلس العسكري المصري وحركة حماس لغرض إعادة محاصرة الحركة والقطاع مجددا.
وطالب برهوم رئيس السلطة الفلسطينية بضرورة الكف عن تصريحاته العبثية التي لا تخدم مصلحة أحد، مؤكدا أهمية أن يقف "أبو مازن" عند مسؤولياته اتجاه الشعب الفلسطيني.