إن نفي المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري صحة الأنباء التي تحدثت عن هجوم (إسرائيلي) بطائرة بدون طيار على مجموعة من المواطنين المصريين في شماء سيناء، مما أسفر عن استشهاد خمسة منهم لا يغير من الحقيقة شيئاً، في ظل التفاصيل الكثيرة التي قدمتها وسائل الإعلام الصهيونية عن الظروف والملابسات التي سبقت الهجوم؛ ولا سيما تلك التي وثقت عمق واتساع التعاون الأمني والاستخباري بين (إسرائيل) والجيش المصري في الآونة الأخيرة.
لقد جاءت عملية التصفية الجسدية، التي نفذتها (إسرائيل) داخل سيناء بعد حوالي 24 ساعة على قرار الحكومة الصهيونية إغلاق مطار "إيلات".
وعلى الرغم من أن (إسرائيل) الرسمية التزمت الصمت ولم تقدم معلومات حول الظروف التي أدت إلى إغلاق المطار، إلا إن وسائل الإعلام (الإسرائيلية) نقلت عن مصادر عسكرية في (تل أبيب) قولها إن إغلاق المطار جاء بعد أن قدم الجانب المصري معلومات استخبارية حول توجه مجموعة جهادية في سيناء لإطلاق صواريخ على المطار، خاصة أن الطائرات عندما تقلع من المطار تقترب من الحدود مع سيناء.
ليس هذا فحسب، بل إن القناة الأولى في التلفزيون (الإسرائيلي) أكدت في برنامج "يومان"، الذي بث الساعة الثامنة من مساء الجمعة الماضي إن الجيش المصري هو الذي قدم المعلومات الاستخبارية التي مكنت الجيش (الإسرائيلي) من تحديد مكان "الخلية الجهادية" واستهدافها بالطائرة بدون طيار.
إن نفي المتحدث العسكري المصري لنبأ الهجوم (الإسرائيلي) يشبه إلى حد كبير نفي النظام السوري نبأ الهجوم (الإسرائيلي) الأخير على ميناء اللاذقية، وهو النفي الذي فضحته التقارير الأمريكية التي أكدت حدوث الهجوم.
تعاون أمني
اللافت أن المعلقين الصهاينة الذين علقوا على الهجوم (الإسرائيلي) على سيناء قد لاحظوا أن التعاون الأمني الذي يبديه الجيش المصري تحت قيادة عبد الفتاح السيسي تجاوز كل التوقعات. وقد علقت إيالا حسون، مقدمة برنامج " يومان " في القناة الأولى في التلفزة الصهيونية على ذلك قائلة: "لقد كان نظام مبارك يتعاون أمنياً بشكل كبير وعميق معنا، وكان وزير مخابراته عمر سليمان يمثل قناة الاتصال التي يتم عبرها التنسيق والتعاون في كل المجالات، إلا أنهما حرصا على أن يكون التعاون الأمني سرياً، أما السيسي فإنه يتعاون معنا بشكل علني وصريح". ويقتبس أمير باشلوم، المعلق العسكري للقناة الأولى جنرالات في الجيش وقادة في المخابرات (الإسرائيلية) قولهم إنه لم يحدث في يوم من الأيام أن كان التعاون الأمني بين مصر و(إسرائيل) على هذا النحو، حيث يؤكد هؤلاء الجنرالات إن التصميم الذي يبديه الجيش المصري في التعاون مع الجيش (الإسرائيلي) في مواجهة الإرهاب تجاوز كل التوقعات.
دعم المنظمات اليهودية
ومن اللافت، التفسير الذي يقدمه الصهاينة لسبر أغوار تخلي السيسي عن كل متطلبات الحذر في التعاون الأمني والاستخباري مع (إسرائيل) على هذا النحو.
وحسب أمير باشلوم، فإن السيسي من خلال توثيقه التعاون الأمني يتطلع إلى محاصرة الدعوات المتصاعدة في الولايات المتحدة الأمريكية للإعلان عن عزل مرسي كانقلاب عسكري مع كل ما يتطلبه الأمر من إجراءات عقابية ضد العسكر.
وحسب بارشلوم، فإن السيسي يرغب في أن يسهم تعاونه في (إسرائيل) في تجنيد المنظمات اليهودية لصالح الانقلابيين، بحيث توظف هذه المنظمات نفوذها لدى الحزب الجمهوري تحديداً وتوقف ما بحملة "نزع الشرعية" التي يشنها بعض النواب الجمهوريين، وعلى رأسهم السيناتور جون ماكين.
ولم يفت المعلقين الصهاينة حقيقة التأكيد على أن الحكومة (الإسرائيلية) تعارض بشدة الأصوات المنددة بالانقلاب داخل الولايات المتحدة، مشيرين إلى أن (إسرائيل) استنفذت جهداً طويلاً في محاولاتها محاصرة هذه الأصوات. فقد ذكرت صحيفة " هارتس " إن كلا من رئيس الحكومة (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو ووزير حربه موشيه يعلون ومستشار الأمن القومي يعكوف عامي درور قد أجروا اتصالات مكثفة مع كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية في مسعى للتأثير على توجهاتهم بشأن الانقلاب.
استعادة الشراكة الاستراتيجية
مما لا شك فيه أن تعاظم مظاهر التعاون الاستخباري والأمني والعسكري بين عسكر مصر و(إسرائيل) يعني أن مصر تحت قيادة العسكر استعادت الشراكة الإستراتيجية، كما كانت عليه الأمور في عهد مبارك، وهذا أحد أهم الأسباب التي تفسر الاحتفاء (الإسرائيلي) بالانقلاب. وتتطلع (إسرائيل) حالياً إلى أن يسهم تعاون عسكر مصر في مساعدتها على تحقيق مصالح استراتيجية للكيان الصهيوني، على رأسها درء المخاطر الناجمة عن ثورات الربيع العربي، عبر إعادة نسج التحالفات الإقليمية، بشكل يسمح لها بمحاصرة من تعتبرهم " قوى التطرف" في العالم العربي.
ومما لا شك فيه أنه على رأس الأهداف التي تسعى (إسرائيل) لتحقيقها من خلال التعاون مع عسكر مصر تأمين سيناء وعدم تحولها إلى ساحة انطلاق للعمل العسكري ضد المستوطنات اليهودية في جنوب (إسرائيل)، خاصة أن سيناء تتاخم عدداً من أهم المرافق العسكرية والمطارات الحربية والمؤسسات الحساسة، التي يمثل استهدافها، وقد جاءت الغارة الأخيرة في هذا السياق. وفي ذات السياق، يكيل (الإسرائيليون) الثناء للجيش المصري لدوره في محاربة عمليات تهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية عبر الأنفاق، حيث إنه لم يحدث حتى في أكثر فترات التوتر بين قطاع غزة ومصر أثناء حكم مبارك أن قامت مصر بمثل يقوم به العسكر حالياً من تدمير للأنفاق من أجل تجفيف منابع المقاومة الفلسطينية.