كيف ستواجه إسرائيل أي رد سوري على الضربة؟

بنيامين نتنياهو يتابع عمل سير التدريبات(أرشيف)
بنيامين نتنياهو يتابع عمل سير التدريبات(أرشيف)

تحليل: د. عدنان أبو عامر

ربما تخرج هذه السطور إلى حيز النشر وصواريخ "الكروز" الأمريكية والغربية تتساقط على الأراضي السورية، وفيما تعلن القوى الدولية والإقليمية المنفذة للهجوم أنه يأتي في "رد فعل على مجزرة الغوطة واستخدام النظام السلاح الكيماوي" تبدو (إسرائيل) في قلب هذا الهجوم الوشيك على الأقل بالنظر إلى تبعاته الميدانية ونتائجه العملياتية.

وربما السؤال الأكثر تكرارا في (تل أبيب) اليوم: هل سترد سوريا على الضربة بتوجيه قذائفها المدفعية نحو المدن (الإسرائيلية) أم ستكتفي برفع سقف تهديداتها الخطابية فحسب دون حراك ميداني؟، وهل ستفعل بذلك بالأصالة أو النيابة عبر حلفائها في المنطقة؟، ولو حصل ذلك كيف سيكون الرد (الإسرائيلي) على رد الفعل السوري المستبعد؟

تقدير الموقف

تعيش الساحة السياسية (الإسرائيلية) حالة من تقديرات الموقف التي تزودها بها الأجهزة الاستخبارية، وصدرت عدد من التصريحات التي أكدت أن (إسرائيل) ستعرف كيف تدافع عن نفسها في وجه من يحاولون مهاجمتها، ولسان حالها يقول: "عيننا على سوريا، وإصبعنا على الزناد"، متخذة الاستعدادات كافة لمواجهة السيناريوهات المحتملة بالتزامن مع توجيه الضربة أمريكية.

وتقول تقديرات (إسرائيلية) كثيرة إن الأسد اضطر "أوباما" إلى أن يفعل فعلا واتخاذ قرارات لا يريد اتخاذها، "لكنه مُجبر ليُعيد ثقة العالم بالولايات المتحدة مع أدنى قدر من تعريض قواتها ومصالحها للخطر".

ولما كانت عملية برية في سوريا غير مأخوذة بالحسبان بقي الهجوم الجوي بطائرات وصواريخ بحرية، ويمكن أن تكون أهداف الهجوم إستراتيجية كجعل سماء سوريا منطقة حظر طيران، أو تكتيكية كضرب أهداف محدودة متصلة بمنظومة السلاح الكيماوي، وصواريخ أرض-أرض، أو كل هدف رمزي آخر لردع الأسد عن استعماله مرة أخرى.

وترى (إسرائيل) أن فرض حظر جوي على سوريا يوجب الاحتكاك الطويل مع منظومات الدفاع الجوي، ما يرفع مستوى التوتر في حين أن الهجوم المحدود على بعض الأهداف للردع عملية قصيرة الأمد ستُمكّن الأمريكيين من إظهار الفِعل دون تورط، وقد يرجح كفة المسلحين مقابل العملية التكتيكية التي لن تُغير توازن القوى.

لذلك فإن ما يرجحه (الإسرائيليون) أن الهجوم على التقديرات التكتيكية قد يتجاوز الحدود الإستراتيجية التي صدت تدخلا عسكريا في سوريا، وإذا كان الافتراض (الإسرائيلي) أن تكتفي روسيا بتنديد شديد ولا تُرسل قوات لحماية النظام، ولا تُقرب سفنا حربية من ميناء طرطوس، فسيبقى سؤال "اليوم التالي": من سيتمتع بثمرات الهجوم؟ ومن سيتولى الحكم إذا سقط الأسد؟.

هنا يستطيع "أوباما" أن يُنعم سياسيا على نفسه بأن يهاجم عدة أهداف في سوريا ويُظهر تمسكه بالخط الأحمر الذي خطه قبل سنة، وهو تقدير مهم لرئيس شعبيته تتدهور، ولكن حينما يُجهدون قوة كبرى لتضرب دولة أخرى أو تُسقط نظاما فمن المناسب أن يكون السبب والنتيجة ملائمين للقوى العظمى، ما يعني أن استعمال السلاح الكيميائي قتل أكثر من 1200 إنسان في حين قُتل بالسلاح التقليدي أكثر من 100 ألف آخرين، وهذا سبب جيد بقدر كافٍ لإسقاط النظام.

نتائج الضربة

يأخذ (الإسرائيليون) بالحسبان أن يستغل الأسد أيّ هجوم عليه ليوسع المعركة مع (إسرائيل) ويظهر "بطلا سوريا عربيا"، وهنا خرجت بعض الأصوات (الإسرائيلية) المحذرة مما أسمته "شراء المواقف المغرورة" التي يطلقها قادة الأجهزة الأمنية (الإسرائيلية) وتهدد بأنّه إذا تجرأت سوريا على استهداف (إسرائيل) فستعيدها إلى العصور الوسطى، مطالبة بالتعاطي بشك مع هذه التهديدات، "لأنه في الطريق إلى ذلك سيصاب آلاف (الإسرائيليين)".

وهو ما دفع نحو أن توجد "المسألة السورية" في قلب النقاشات الإستراتيجية بين (إسرائيل) وحلفائها في المدة الأخيرة، لأنّه في حال شعر الأسد أن نظامه يتعرض لخطر ملموس فإن كل السيناريوهات ينبغي أن تؤخذ في الحسبان عقب تنفيذ الضربة التي يفترض (الإسرائيليون) أن تكون في مرحلتها الأولى مقلصة ومركزة أكان ذلك للامتناع عن التورط العسكري أم الخشية من أن يدفع شن هجوم واسع الأسد إلى استخدام الكيميائي ضد معارضيه على قاعدة أنه لم يعد هناك ما يخسره.

لكن التحدي الأساسي يكمن في بقاء (إسرائيل) خارج الصورة رغم خشيتها من أن تحاول سوريا أو حزب الله أو إيران توجيه النيران نحوها من أجل إرباك الموقف، أو توحيد العالم العربي ضدها، لذلك من المعقول أن نرى تنسيقا معززا مع واشنطن التي ستدافع عن (تل أبيب) في حال هاجمتها سوريا وحلفاؤها.

وقد تم تزويد (إسرائيل) بمعلومات أمريكية مؤكدة أن الضربة لن تؤدي إلى انهيار النظام بل كبح جماحه ومعاقبته، وفي هذه الحالة قد لا يكون الأسد مضطرا إلى "تكسير الأدوات" عبر مهاجمة (إسرائيل) وتعريض نظامه لخطر السقوط.

ورغم أن هناك قطاعا واسعا من دوائر صنع القرار (الإسرائيلي) تستبعد احتمال أن تشنّ سوريا هجوما صاروخيا ضد (إسرائيل) في حال نفذت الولايات المتحدة تهديداتها بمهاجمتها لكنها في جميع الأحوال عليها أن تكون مستعدة من الناحيتين الهجومية والدفاعية، لأنّه في حال شن هجوم أمريكي سيجري إخطارها مسبقا.

اللافت في (إسرائيل) تلك القراءة الاستخبارية لـ"سيكولوجية شخصية الأسد"، فما دام أن بإمكانه البقاء بعد أي هجوم أمريكي فإنه لن يهاجم (إسرائيل)، ولن يدخلها كقوة ضده، لكنه في اللحظة التي يشعر فيها أن مصيره حُسم فقد يرى بعمل ضدها أمرا جذابا، وما يقلقه في هذه المرحلة كيف يخلص نفسه وعائلته من المصير الذي ينتظره، لذلك لن يرد على (إسرائيل) لو هاجمته الولايات المتحدة لعلمه أن عنده الكثير مما يخسره إذا فعل ذلك.

كما إن استبعاد (إسرائيل) رد النظام السوري على العملية العسكرية يعود إلى أن الأخير في صراع على البقاء، ولن يغامر بفتح مواجهة معها، لأن هذه الخطوة ستضعفه في مواجهة الثوار المسلحين الذين قد يستغلون الهجوم الجوي الأمريكي بالتقدم الميداني على الأرض.

ولكن ذلك لا يلغي القناعة (الإسرائيلية) بقدرة سوريا على الرد رغم أن التقديرات العامة تشير إلى أن الأسد لن يخاطر في المرحلة الحالية وهو يصارع للبقاء في الحكم بتوجيه ضربة أو شن أي هجوم ضد (إسرائيل)، خاصة أنه لم يرد عسكريّا على الضربات التي تعرض لها في العامين الأخيرين, كما إن احتمالات إطلاق حزب الله الصواريخ على (إسرائيل) ضعيفة في ظل الانتقادات الموجهة له داخل لبنان.

التدخل اللوجستي

 (إسرائيل) دأبت في البدء أكثر من مرة على إعلان أنها ليست طرفا في الأزمة السورية ولا تتخذ موقفا معلنا منها، بل إن رئيس الحكومة أوعز لوزرائه بعدم الحديث العلني عن الهجوم على سوريا منعا لحرج هنا وإرباك هناك للقوات المهاجمة رغم أن حماية أمنها يقع في صلب الهجوم المتوقع على سوريا.

ولمنع وقوع أي مفاجآت غير متوقعة في الهجوم الغربي على سوريا وخوفا من تعرض (إسرائيل) لرد فعل انتقامي منها، التقى وفد أمني (إسرائيلي) رفيع المستوى برئاسة مستشار الأمن القومي "يعكوف عميدرور" كبار المسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم نظيرته "سوزان رايس"، وتمحور الحديث حول التطورات في سوريا على ضوء أحداثها الجارية، والاستعدادات لإمكانية توجيه ضربة عسكرية.

وقد تم تسريب بعض حيثيات الزيارة، وجاء في خلاصتها أن (إسرائيل) تلتزم مصالحها الأمنيّة عبر استمرار التنسيق مع الولايات المتحدة، وعرض مساعدة استخباريّة وقت الحاجة، ومتابعة ما يجري مع الحفاظ على استعداد وتيقظ إذا بدأت الضربة.

واتفق الجانبان في التقدير على أن الأسد غير معني بإقحام (إسرائيل) في الحرب المحتملة لأنّه يخشى أن يكون ردها مصيريا بالنسبة لمستقبله، فهي سترد بحزم إذا تعرضت لهجوم، كما إن مستوى تأهب الجيش (الإسرائيلي) كاف للرد سريعا، والدوائر الأمنية تجري تقييمات مستمرة على ضوء الحديث عن هجوم غربي وشيك.

أما على الصعيد الميداني، فقد جاءت الاستعدادات الميدانية في (إسرائيل) برفع حالة الاستنفار في غرف العمليات الخاصة بالمدن الشمالية، وتحديث الاتصالات مع الجبهة الداخلية و"نجمة داوود الحمراء" وسلطات الإطفاء والشرطة، وإنعاش إجراءات فتح الملاجئ العامة، وإعداد مركز لإدارة الأزمات والاتصالات وفتح مسارات أخرى، وتوزيع مليون من الأقنعة الواقية من الغازات السامة على (الإسرائيليين) وبالأخص من يقطنون في الشمال بجانب باقي المدن الرئيسية.

كما رفعت (إسرائيل) في الأيام الأخيرة مستوى الاستعداد العسكري اتجاه سوريا ليس في الجوانب الاستخبارية فحسب بل العسكرية، لأن المنطق ليس هو الغالب دائما في الشرق الأوسط كما تقول، وقد يكون الرد السوري غير عقلاني، وهو ما تمثل في زيادة الجيش استعداداته على الحدود الشمالية كي يتابع عن قرب ما يجري فيها ولاسيما حركة الجيش السوري، لأنه إذا حصل هجوم أمريكي عليها فلن يؤدي إلى كسر الحياة الروتينية للإسرائيليين، أو الدخول في معركة واسعة ما دام أن الهجوم سيكون موضعيا.

في السياق فإن قيادة المنطقة الشمالية في الجيش وأجهزة الأمن المختلفة أعلنت أنها مستعدة لمواجهة أيّ سيناريو، وستنتقل إلى منظومة عمل تستنفر فيها جميع منظوماتها الدفاعية لاعتراض أي تهديد محتمل من سوريا، وأنّ الاستعدادات تشمل اعتراض عمليّات إطلاق الصواريخ بواسطة منظومات صواريخ "تامير" التابعة لمنظومة القبة الحديديّة، والتهديدات الجويّة بواسطة صواريخ "باتريوت"، وطائرات سلاح الجو، في حين قررت قيادة الجبهة الداخلية تعزيز عديد قواتها البرية وطواقمها الطبية المدنية لزيادة استعدادها في أعقاب الضربة.

أخيرا: إن مخاوف (إسرائيل) من رد فعل عسكري سوري اتجاهها انتقاما من أمريكا سيكون بمنزلة انتحار من الأسد، وهناك شكوك كبيرة حول تفضيله هذا الخيار!

البث المباشر