المرحلة الثانية من الانقلاب المصري على وشك أن تبدأ: مكان التنفيذ على الحدود مع قطاع غزة وربما داخل القطاع نفسه أما التوقيت فلن يتعدى الأسابيع القليلة المقبلة.. هكذا وضعت التسريبات والتحليلات سيناريو المرحلة المقبلة بين مصر وغزة على اعتبار أن ما يجري الآن على الحدود من هدم البيوت وإقامة منطقة عازلة في سابقة تاريخية يعتبر مقدمة لهذا الهجوم.
الانقلاب العسكري في مصر فتح الباب واسعا أمام التكهنات حول طبيعة العلاقات بين القاهرة وغزة التي أجمع في بداية الأزمة على أنها ستكون علاقة جمود وقطيعة بين الطرفين على اعتبار أن حماس التي تقود الحكومة في القطاع امتداد طبيعي لجماعة الإخوان المسلمون التي انقلب عليها العسكر في مصر قبل شهرين، ولكن تحركات الجيش في سيناء وقرب الحدود الفلسطينية خاصة خلال الأسبوع الماضي والدفع بوحدات من الجيش الثاني وتعزيزات عسكرية وأسلحة ثقيلة وطائرات ودبابات ومدفعيات ممنوع دخولها بموجب اتفاقية كامب ديفيد بشقها الأمني تعطي إشارات إلى أن العلاقة لن تتوقف عند حد الجمود بل ستشتعل حتى تصل إلى المواجهة.
مخطط جاهز
هناك من يرى أن انقلاب مصر دخل مرحلته الثانية بعد أن بدأت القوات التابعة للفريق عبد الفتاح السيسي هجوما تدريجيا يهدف إلى الإطاحة بحركة حماس في غزة بالتزامن مع تحريض إعلامي متصاعد ضدها في وقت يسعى فيه نشطاء مغمورون من غزة تلقوا أموالا من دولة الإمارات إلى تنظيم احتجاجات كبيرة ضد السلطة القائمة في القطاع، وفق بعض الأنباء المسربة.
وتحدثت عدة مصادر صحافية عن وجود إشارات في مصر إلى حملة مدبرة للهجوم على حماس والإطاحة بحكمها، مشيرة إلى أن الإمارات هي التي تدبر وتدير هذه الحملة عبر القيادي المطرود من غزة محمد دحلان الذي يعمل مستشارا لدى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
الخبير الأمني د. إبراهيم حبيب أكد في هذا السياق أن المعطيات على الأرض تشير إلى أن العلاقة بين مصر وغزة تذهب في اتجاه خطير، متوقعا أن يشن الجيش المصري هجوما على قطاع غزة خلال أسابيع.
واعتبر حبيب أن ما يجري على الحدود يجري بالتنسيق بين أطراف محلية متمثلة في سلطة رام الله التي ستدعم الهجوم إلى جانب عدة أطراف عربية ودولية، لافتا إلى أن دول الخليج هي الممول الرئيسي للانقلاب المصري وستدفع الأموال لإسقاط حكم حماس وإعادة دحلان، "لأنها لا تريد بقاء أي فصيل إسلامي في السلطة".
أما عن دور عناصر فتح الهاربة والتابعة لدحلان في المواجهة المحتملة، فبين أن هذه العناصر موجودة منذ مدة طويلة وتعمل مع الجيش المصري، "وهي كانت سابقا على معبر رفح وتنسق باستمرار مع أمن الدولة المصري".
وحول توقعاته لموقف حماس وباقي الفصائل، شدد حبيب على أن الفلسطينيين سيضطرون إلى الدفاع عن أنفسهم وهم آسفون على هذه المواجهة، "فقد يكون أحد الخيارات توجيه بعض الضربات للاحتلال"، مؤكدا أنه إذا ما تعرض القطاع للهجوم المصري فإن الفصائل سترد للدفاع عن وطنها وأرضها، وموضحا أن عناصر فتح الهاربة تلعب دورا بارزا في هذا الوقت مع جيش مصر.
المحلل السياسي والأمني د. محمود العجرمي أكد من جانبه أن إقامة منطقة عازلة بين غزة ومصر سابقة تاريخية لم تحصل من قبل.
ولفت العجرمي إلى أن اتفاقية كامب ديفيد تسمح بوجود من 250 إلى 300 جندي مصري من منطقة الشيخ زويد فقط، "لكن وجود قوات ومعدات عسكرية ضخمة في المنطقة يعني أن التنسيق بين مصر و(إسرائيل) غير مسبوق وأن هناك خطة للهجوم على غزة".
وبين أن هناك خطة وضعت للانقلاب في مصر تضمنتها خطة كيري بشأن الدور المصري القادم، "والمقصود منه ليس إحباط الثورة المصرية فقط بل تطبيق مخطط أمريكي-(إسرائيلي) للقضاء على المقاومة".
ضرب غزة
وفي ظل الحملة الأمنية المصرية "المشددة" التي تُنفذ منذ شهور ضد أنفاق غزة الحدودية الموجودة أسفل الأرض وتُستخدم في تهريب البضائع والمواد التموينية الأساسية لإنعاش اقتصاد القطاع وتوفير مستلزمات حياته اليومية، فإن الجيش المصري يسعى إلى تنفيذ مخطط جديد وإنشاء منطقة عازلة وعسكرية على طول الحدود مع غزة.
وتناول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي ما سموه "معلومات مسربة" مفادها أن في مصر توجد غرفة عمليات مركزية يخطط فيها لجريمة تاريخية للقضاء على حماس ظنا منهم أن الحكم الجديد في مصر قد استقر وتمكن، ويدور الحديث عن أن الغرفة تشارك فيها السعودية والإمارات ومصر ودحلان وتعد لاجتياح مصري لمدينة رفح الفلسطينية، وربما تنفذ خطتها خلال الشهرين المقبلين.
وتتمثل الخطة في افتعال أحداث "إرهابية" تكتشف الحكومة المصرية "زعما" أنها منفذيها من غزة فتقرر التدخل للقضاء على الإرهاب في معقله وتطهير رفح الفلسطينية من حماس وتسليمها لقوات دحلان.
وهنا، قال حبيب: "رغم أن المقاومة ستتصدى للمخطط فإننا قد نكون أمام سيناريو دموي في غزة".
وللحديث عن الدور (الإسرائيلي) في هذه المرحلة، فإنه لفت إلى أن (إسرائيل) لن تبقى صامتة لإدراكها أن الجيش المصري لن يتمكن من غزة إلا بالدعم اللوجستي على الأرض، "لذا ستعمل مع بعض عناصر فتح الموتورة لتمارس نوعا من الضغط لخلخلة الجبهة الداخلية وإشعالها".
واعتبر أن المسألة ستكون خطيرة، "وسيدفع ثمنها كل الفلسطينيين إن لم يكونوا عقلاء في هذه اللحظة التاريخية وحافظوا على تماسك حقيقي في الجبهة ومنعوا المجال للموتورين لجر غزة نحو مواجهة دامية بين أبناء الشعب".
العجرمي بين بدوره أنه يجري تدريب القوات الفتحاوية الهاربة في مصر حتى تلعب دورا في المواجهة المقبلة ضد غزة، مؤكدا أن هذا المخطط لن ينجح، "لأن المقاومة عصية على الكسر وستواجه بكل قوتها ومن خلفها الشعب الفلسطيني أي عدوان"، معتبرا أن أي هجوم على القطاع سيشعل المنطقة وسيثير الشعوب العربية.
وأشار إلى أن هذه الخطوات تكشف الوجه الحقيقي للحكام الجدد في مصر اتجاه القضية الفلسطينية، وتابع: "أعتقد أن غزة ستعود مجددا إلى دائرة الحصار الخانق، وسيجري قطع طريق السلاح الذي تحصل عبره المقاومة على السلاح من الخارج عن طريق سيناء".
ونوه العجرمي إلى حجم التنازلات الصهيونية فيما يتعلق بالتعديلات على بنود اتفاقية كامب ديفيد التي شملت رزمة تسهيلات حول انتشار الجيش المصري في سيناء ورفع مستوى تسليحه، "بل السماح لطائراته الحربية بالتحليق في أجواء جنوب القطاع من جانب، وعملية الاغتيال التي نفذتها طائرة صهيونية ضد مجموعة جهادية في سيناء من جانب آخر، فكل هذه دلائل على التحضير لعمل عسكري وأمني مشترك ضد غزة".
وبين أن المخطط يسعى إلى إدخال من تبقى من الأطراف الملحقة بمنظمة التحرير التي تعطي غطاء للمفاوضات إلى القطاع.
ولفت إلى تدريب الجيش المصري العناصر الهاربة بعد إخفاق الانقلاب على الشرعية في فلسطين، "وذلك من أجل إعادتها إلى فلسطين".
وكانت قوات مصرية قد شنت حملة واسعة طوال الأسابيع الماضية ضد الأنفاق التي يقتات منها الفلسطينيون في القطاع ويتغلبون بها على الحصار (الإسرائيلي) الخانق، ولكن الجديد هو هدم القوات المصرية المنازل القريبة من الحدود مع قطاع غزة بعمق 500 متر داخل الأراضي المصرية.
والإجراء الذي يحصل على الحدود مع غزة (هدم المنازل) هو الأول من نوعه في تاريخ العلاقات الفلسطينية-المصرية، إذ تسود المخاوف في المنطقة من أن يكون هذا مقدمة لعمل عسكري مصري يستهدف حركة حماس فضلا على أنه مقدمة لإغلاق الأنفاق كافة.
ويصف المصريون من سكان المنطقة ما يجري العمل عليه بأنه "حزام أمني" يهدف إلى ضمان إحكام الحصار الخانق على الفلسطينيين من جانب القوات المصرية كما قال أحد السكان لموقع "أسرار عربية" عبر الهاتف.