نحت شواهد القبور.. مهنة باقية بقاء الموت

النحات غبن خلال النحت على أحد شواهد القبور (تصوير محمود أبو حصيرة)
النحات غبن خلال النحت على أحد شواهد القبور (تصوير محمود أبو حصيرة)

الرسالة نت - أحمد الكومي

ولَّى الخطاط وائل غبن وجهة شاهد القبر شطر قرص الشمس كي يجفّ الحبر عليه، ثم يذهب به أصحابه بعد ذلك ليغرسوه في الضريح، من أجل أن يخبر الزائرين بهوية الراقد أسفل التراب.

الشاهد كان لامرأة مضى من حياتها أربعة عقود ثم كان الرحيل، فغدى لزامًا إكرامها بدفنها والدلالة كذلك على مكان المبيت.

نحت غبن على الشاهد اسم المرأة وعمرها وآية قرآنية، في عملية استغرقت دورة كاملة لعقرب الدقائق.

الموت وحده الذي يحدد قيمة الدخل الشهري لناحت شواهد القبور، فالمهنة باقية بقاء الفناء. ولم تعد أيضًا حكرًا على أحد، فأصحابها اليوم كُثر.

وتشير إحصائية الأحوال المدنية بوزارة الداخلية في غزة بأن عدد الوفيات في شهر رمضان المنصرم للعام الحالي بلغ 262 حالة، بواقع 9 وفيات في اليوم الواحد.

ويبدو أن غبن ببشرته القمحية ضَجِرَ المهنة أو بالأحرى غير راضٍ عن التطور الحاصل عليها، "فلم يعد فيها مزاجية ومعْلَمية"، فضلًا عن تبخّر الحرفية.

الشواهد قديمًا كانت طولية ومرتفعة بعض الشيء، وكانت صناعتها تمر بمراحل عدة، بدءًا من الصبّ في قوالب، مرورًا بتخطيط العبارات عليها، وصولًا إلى حفرها يدويًا وحتى تلوينها.

الأمور اليوم بقول الخطاط غبن لـ"الرسالة نت" أسرع مما كانت عليه قديمًا، فدخلت التكنولوجيا في صناعة الشاهد عبر تحديد نوع الخط وتصميم الواجهة بالمقاس والألوان، ثم ينقل التصميم إلى الشاهد ويدخل في نظام القص عبر ماكنة تدعى "الكتر" مخصصة لهذا الغرض.

العملية سالفة الذكر تستغرق نصف ساعة للشاهد الواحد، بينما كانت الشمس تغيب وتشرق عند صناعته قديمًا.

وعن كلفة الشاهد يقول غبن وهو يعمل في المهنة ستة عشر عامًا: "يتعلق ذلك بنوع الرخام وحجمه، والخط كذلك". وتبلغ تكلفته تقديرًا اليوم 70 شيكلًا أي ما يساوي 20 دولارًا.

قصة تعلق الخطاط غبن بهذه المهنة تكمن في جاره الذي كان يملك مصنعًا للرخام، وكان لجمال وحُسن خطه من صغره يستعين به للكتابة على الشواهد.

يقول: "دائمًا ما كان هذا الرجل يستدعيني للكتابة، لم أكن يومها أملك محلًا للتخطيط، ولكثرة ما كتبت، ذاع صيتي بين أصحاب معامل الرخام، فتمكنت من افتتاح محل، وأدرجت نحت شواهد القبور ضمن أعمالي".

ويفخر الخطاط غبن بأن كان له شرف كتابة شاهد وضع أفقيًا على ضريح الشهيد أحمد الجعبري نائب القائد العام لكتائب القسام، الذراع العسكرية لحماس، وعديد الشهداء.

ويغلب اليوم على كتابة الشواهد الآيات القرآنية.

وعن العمل في مهنة لصيقة بالموت مثل هذه، وفيما إذا كانت تجلب الشؤم، قال النحات غبن: "لسنا حفاري قبور في النهاية"، قبل أن يضيف "من المفيد على كل حال تذكر الموت".

والكتابة على شواهد القبور من أقدم العادات الإنسانية، يكتبها أصحابها إما قبل وفاتهم، وإما تكتب لهم بعد موتهم، وقد انتشرت شواهد القبور في معظم المجتمعات، شرقية كانت أم غربية، وعلى مر العصور المتعاقبة، باستثناء السعودية، التي تكتفي بصخرة صغيرة على رأس القبر.

شواهد القبور العثمانية في تركيا على سبيل المثال نجد أنها تتميز بالتنوع الكبير، ونجدها تحمل أيضًا إشارات عديدة، كل منها تدل على صفة من صفات الشخص المتوفى وجنسه.

فبينما يكون على شاهد قبر الرجل ما يشبه القبعة أو العمامة، فإنّ شاهد قبر المرأة يزين بإكليل من الزهر.

وفي العصر الحديث تطالعنا شواهد قبور الغربيين بالعديد من الطرائف والنوادر، من خلال ما يكتب عليها من عبارات.

ففي قبور إيطاليا، نجد أحد القبور كتب عليه: "هنا يرقد من كان زوجًا محبًا وأبا رائعًا، لكنه كان كهربائيًا سيئًا".

وكتب زوج على قبر زوجته: "هنا ترقد زوجتي العزيزة.. أيها الرب استقبلها بسعادة، كما أرسلتها إليك" !

البث المباشر