قائمة الموقع

الضربة ضد سوريا تبتعد .. ضبط النفس قوة

2013-09-21T06:32:01+03:00
المدمرات الامريكية في عرض البحر(أرشيف)
بقلم - ألوف بن

اتخذ الرئيس الأمريكي "براك أوباما" القرار السليم بإعلانه "عملية مع وقف التنفيذ" ضد سوريا, فقد أوضح بأن القوات جاهزة والأهداف محددة ولكنه كسب وقتاً لبلورة مخرج ليس بالقوة من الأزمة, وفي الأيام القريبة القادمة، في قمة العشرين الكبار في "سانت بطرسبرغ"، سيفحص الحائز على جائزة "نوبل" للسلام قدراته كدبلوماسي: فهل سينجح في أن يربط الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بتسوية تعزز الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط, إذا حاول "أوباما" وفشل، فإنه سيتمتع بالشرعية لعملية عسكرية.

لقد كان التأجيل حيوياً، وذلك لأن "أوباما" يحتاج إلى دعم داخلي ودولي بعملية موضع خلاف، أهدافها الإستراتيجية غير واضحة, وستسمح له المهلة الزمنية بالتدقيق في أهداف الحملة العسكرية وتجنيد المؤيدين لها, وهذا ما روج له منذ أيامه الأولى في السياسة.

يُعجبون في "إسرائيل" بمن يسحبون السلاح بسرعة, وقد وصفت ترددات "أوباما" هنا كتعبير عن الضعف وانعدام الزعامة من جانب "القائد الأعلى", قادة الدولة والجيش الإسرائيلي ومعظم وسائل الإعلام حثوه على أن يضرب الأسد منذ الآن وألا ينتظر المزيد, والمرة تلو الأخرى أعيد الأكليشيه من الفيلم "الطيب، الشرير والبشع" ("إذا كان لا بد أن تطلق النار، فأطلق ولا تتكلم") في الغالب باقتباس غير دقيق, خسارة أن المشجعين والمتحمسين اكتفوا بمشهد واحد ولم يروا كل الفيلم الذي هو من الأعمال الفنية النقدية المناهضة للحروب على نحو أشد في تاريخ السينما, فلو أنهم شاهدوه حتى النهاية، لحصلوا على فكرة أو اثنتين عن إلغاء وانعدام الجدوى من الحروب، ولعلهم كبحوا قليلاً جماحهم.

إن الحروب الناجحة تستوجب إعداداً سياسياً ودبلوماسياً جذرياً، وإلا فإنها تتعقد وتطول عبثاً أو تنتهي بإخفاق, وحتى في "إسرائيل"، حيث يقدس رد الفعل السريع على كل عملية وتهديد، كان الصبر مجدياً دوما للزعماء الذين تبنوه, لقد سخروا من "أريئيل شارون" حين قال: "ضبط النفس هو قوة"، ولكن امتناعه عن ردود فعل حادة على العمليات في بداية ولايته سمح له بالانطلاق إلى حملة "السور الواقي" في ربيع 2002 وإلحاق الهزيمة بالانتفاضة الثانية، متمتعاً بإجماعٍ مطلق في الداخل وبدعم دولي واسع, خليفته "إيهود أولمرت" لم يتعلم الدرس، وبعد أربع سنوات من ذلك انطلق إلى حرب لبنان الثانية بقرار لحظي, وكانت النتيجة أنه جر إلى عملية طويلة وفاشلة، فقد التأييد الجماهيري واضطر إلى إنقاذ أمريكي كي يخرج من الوحل.

الولايات المتحدة العظمى هي الأخرى، التي لا منافس لقدراتها العسكرية، نجحت في حروب استعدت لها (الحربين العالميتين، حرب الخليج) وأخفقت حين عملت دون حلفاء وفي ظل خلاف شديد في الداخل (فيتنام، العراق), يتبين أنه حتى للقوة العظمى لا تكفي النوايا الطيبة ولا حتى القوة التكنولوجية والاقتصادية, فالحكمة وتجنيد المؤيدين هامان بقدر لا يقل, "أوباما" لم يعرض أمس صيغة دبلوماسية للخروج من الأزمة السورية, ولعله ينتظر مبادرات زملائه في قمة العشرين الكبار، ولعله في ظل الخطابات ذات نزعة القوة تجري قناة دبلوماسية سرية بين البيت الأبيض والكرملين، مثلما في أزمة الصواريخ في كوبا في 1962, الصيغة المطلوبة تعتمد على نموذج قرار مجلس الأمن 687، الذي أنهى حرب الخليج في 1991: بشار الأسد يبقى في كرسيه، وبالمقابل ينزع مراقبو الأمم المتحدة عن سوريا السلاح الكيميائي والصواريخ بعيدة المدى, وهذا لا يتخذ صورة جيدة مثل القصف وعواميد الدخان، ولكن التجربة العراقية تدل على أنه لا يوجد طريق أفضل لإزالة "الوسائل الخاصة" من أيدي دكتاتور يذبح الجماهير.

هذه الصيغة يتعين على "أوباما" أن يبيعها لـ"بوتين", وهذا لن يكون بسيطاً: فخلافاً لصدام حسين في 1991، الأسد لم يُضرب في المعركة، وجيشه لم يتفتت, فهل التهديد الحالي بإطلاق الصواريخ من البارجات يكفي كي يتخلى عن ذراعه الإستراتيجية؟ وإذا رفض، فهل سيستسلم بعد الهجوم الأمريكي؟ هذه أسئلة ستشغل بال "أوباما" في رحلته هذا الأسبوع إلى روسيا, إذا نجح في نزع "السارين" والـ "في إكس" السوري دون أن يطلق صاروخاً واحداً، فإنه سيخرج عظيما مثل "جون كندي" في الأزمة الكورية, ومحظور عليه أن يتخلى عن هذه الإمكانية، ولهذا فإنه لم يستمع إلى المتحمسين واختار العملية المؤجلة التي تفسر كإنذار للأسد ولـ"بوتين".

مجلة الراصد العربي

اخبار ذات صلة