تشكك (إسرائيل) في دوافع ومحفزات ما تسميه "هجمة الاعتدال" الإيرانية، وتتعامل معها على أساس إنها محاولة مكشوفة لشراء الوقت بالتنسيق والتعاون مع الروس.
فقد عبرت (إسرائيل) الرسمية عن انزعاجها من التصريحات "المتصالحة" التي أطلقها كل من مرشد الثورة الإيرانية والرئيس حسن روحاني بشأن تأكيدهما على أن إيران غير معنية في الحقيقة بتطوير سلاح نووي، إلى جانب الحرص الإيراني على التأكيد على اهتمام طهران بتحسين علاقاتها مع (تل أبيب).
وكما أوضح وزراء في حكومة نتنياهو، فإن (تل أبيب) تخشى بشكل خاص أن ينجح ما أسموه "خط الاعتدال الظاهري" الذي يقوده روحاني في "تضليل" العالم واستدراج الغرب إلى القبول بتسوية تضمن تحقيق هدفين إيرانيين أساسيين:
أولاً: رفع العقوبات الاقتصادية الخانقة عن طهران، سيما فرع القيود المفروضة على تعاملات البنك المركزي الإيراني والتي شلت تجارة النفط الإيرانية، علاوة على رفع القيود المفروضة على حرية الحركة للمواطنين الإيرانيين في الخارج.
ثانياً: تقديم إيران مرونة " شكلية وهامشية " في كل ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، مع موافقة على السماح بهامش حرية أكبر للمفتشين الدوليين.
من الواضح بالنسبة لدوائر صناع القرار ومحافل التقدير الإستراتيجي في الكيان الصهيوني أن الإيرانيين ينطلقون في تحركهم من تفاهم ولو جزئي مع الروس، بعدما تبين للرئيس فلاديمير بوتين أن نجاحه في فرض مبادرته بالتخلص من السلاح الكيماوي السوري قد آتت أكلها وإن دور موسكو أصبح لا يقل عن دور واشنطن.
استباق الأحداث
من هنا، فقد حاول نتنياهو استباق الأحداث من خلال عرض أربع خطوط حمراء يرى أنها ستوضح للعالم إن كان "الاعتدال" الإيراني حقيقي أم محاولة لذر الرماد في العيون، وتتضمن الخطوط الحمراء: أولاً: التوقف عن عمليات تخصيب اليورانيوم بشكل كامل، ونقل ما تم تخصيبه إلى خارج إيران، وإغلاق المنشآت النووية، وأخيرا فرض رقابة دولية تمنع تحول البلوتونيوم إلى قنابل ذرية.
في (إسرائيل) يفترضون أن الرئيس أوباما بات مضطراً لمعالجة البرنامج النووي الإيراني بعد انجاز الاتفاق الأمريكي الروسي حول تفكيك السلاح الكيماوي السوري.
وترى محافل التقدير الإستراتيجي في (إسرائيل) أنه بخلاف تعاطيه المتردد مع الملف السوري، فإن هناك الكثير من الأسباب التي تدفع الرئيس أوباما لكي يتعاطى بشكل أكثر تصميماً في مواجهة البرنامج النووي الإيراني.
وتشير هذه المحافل إلى حقيقة أن الرأي العام والكونغرس الأمريكي يؤيدان بشكل صارم وفاء أوباما بتعهداته العلنية بعدم تمكين إيران من الحصول على سلاح نووي، وهذا ما لم يكن يتوفر في التعاطي مع الشأن السوري.
وترى هذه المحافل أنه في الوقت الذي تخلفت معظم شركاء الولايات المتحدة في الغرب عن دعم أوباما في قراره الخروج لعمل مسلح ضد نظام الأسد، فإن هناك تحالف مبلور وواسع يضم دول أوروبا ودولا عربية في حال قرر القيام بعمل عسكري ضد إيران.
وتطالب هذه المحافل أوباما بالإعلان فوراً عن تشديد الحصار والمقاطعة على إيران، وفي الوقت ذاته القيام بتحركات عسكرية في المنطقة تؤكد على جدية تهديد الولايات المتحدة بشن عملي عسكري في حال لم توقف طهران برنامجها النووي. وطالبت هذه المحافل أوباما بأن ينذر إيران عبر تحديد موعد للكشف عن منشآتها وبرامجها في المجال النووي بدون أية قيود.
تقييم الخسائر
وفي ذات السياق، دعا الكثير من المراقبين في (إسرائيل) إلى إعادة تقييم "الخسائر" (الإسرائيلية) بعد قبول المبادرة الروسية من قبل نظام الأسد، حيث أشار الكثيرون إلى أن هناك ما يوجب عدم العلوق في مستنقع الخلافات بين روسيا والولايات المتحدة، محذرين من خطورة تداعيات وقوف (إسرائيل) إلى جانب الولايات المتحدة في الصراع الروسي الأمريكي؛ على اعتبار أن هذا يمكن أن يمس بمصالح (إسرائيل) الحيوية.
ويرى المراقبون في (تل أبيب) أن (إسرائيل) تحتاج إلى تعاون روسيا في كل ما يتعلق بوقف برنامج إيران النووي، منوهين إلى أن وقوف (إسرائيل) إلى جانب الولايات المتحدة يحفز روسيا على تحدي (إسرائيل)، خاصة في ظل شعور الرئيس بوتين إنه بات من يحدد جدول الأعمال في العالم، ولا يوجد سبب يدعوه للتنازل عن مصدر قوته العالمية، ومن الواضح أنه استمد هذه القوة من بناء المحور الروسي الصيني الإيراني السوري".
قصارى القول، (إسرائيل) تتعامل مع التصريحات التصالحية الصادرة عن قادة طهران على أساس أنها "خديعة" تتم بالتعاون مع موسكو، لذا فهي تستنفر لتقليص فرص نجاحها.