تستهدف أجهزة السلطة التابعة لفتح في الضفة الغربية في هذه الأيام مخيم جنين للاجئين بشكل غير مسبوق، بزعم أنها تُنفذ حملة أمنية موسعة لمحاربة الفوضى والفلتان الأمني، ولكن في الحقيقة هي تشن حملة قمعية لملاحقة الفصائل التي مازالت تتمسك بالمقاومة.
وعبرت حركة المقاومة الإسلامية حماس عن رفضها "لحملة الخداع والتضليل الذي مارسته الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضد الرأي العام من خلال إعلانها أن الحملة تأتي لمحاربة الفساد والخارجين عن القانون"، معتبرة أن الحملة تستهدف في الحقيقة بيوت وأسر المجاهدين الشهداء والمعتقلين والمناضلين.
وكانت حركة الجهاد الإسلامي، اتهمت الأجهزة الأمنية في جنين، باقتحام منزل بسام السعدى أحد قياداتها في الضفة الغربية، وعاثت فيه فساداً، مضيفة أنه لا مبرر لملاحقة المناضلين والمقاومين تحت شعار ملاحقة الفلتان، لأن من يقوم بالفلتان معروف، ومن هو مستهدف من قبل الاحتلال معروف ويجب عدم الخلط بين الأمور".
حملة بـ200دورية
وفي تفاصيل الحملة الأمنية، فقد اقتحمت قوة عسكرية كبيرة مشكلة من مختلف الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة فتح بعشرات الآليات العسكرية -فجر السبت الماضي- مخيم جنين وجابت شوارعه وداهمت منازل مجاهدين شهداء ومعتقلين ومناضلين واختطفت العديد من المقاومين.
"قرعاوي: انعكاس لحقيقة التخبط الموجود لدى السلطة وأجهزتها
"
وذكرت مصادر صحفية أن أكثر من 200 دورية من مختلف أجهزة أمن فتح اقتحمت مخيم جنين للاجئين، وشنت حملة مداهمات واعتقالات واسعة بحق قيادات المقاومة والأسرى، تحت ذريعة محاربة الفلتان الأمني.
وذكرت المصادر أن أهالي المخيم قاوموا عملية الاقتحام، ورشقوا قوى الأمن المقتحمة بالحجارة في كثير من الأحياء .
وفي وقت لاحق، اندلعت مواجهات مسلحة في بين عناصر من سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وأجهزة فتح الأمنية وسط مخيم جنين حسب ما أفادت مصادر في الجهاد.
تضارب في التصريحات
ورغم ذلك، فإن المصدر الأمني الرسمي في أجهزة فتح يواصل نفي وجود حملة أمنية خاصة، كما تتعمد القوى الأمنية عدم القيام بحملات دهم واسعة كتلك التي حدثت عقب وفاة محافظ جنين السابق قدورة موسى، بينما تعتمد على الكمائن والمداهمات الخاصة في عمليات الاختطاف.
وكان محافظ فتح في جنين طلال دويكات أعلن في تصريحات صحفية عن تنفيذ مهمات أمنية عدة في مناطق مختلفة من محافظة جنين من أجل البحث عن المطلوبين للعدالة مشيرا إلى اعتقال مجموعة منهم.
وكانت كتائب شهداء الأقصى الذراع المسلح لفتح، هددت دويكات مدير جهاز المخابرات السابق "بالمحاسبة"، في حال تم الاعتداء على سلاح المقاومة ، متسائلة: "لماذا عندما يدخل الاحتلال إلى المخيمات والمدن كي يعتقل أو يقتل لا نرى أحداً من أتباعكم في الشوارع؟".
جنين "برميل بارود"
النائب فتحي قرعاوي، شبه جنين بـ"برميل بارود"، محذرا من أن ما تمارسه أجهزة السلطة في حملتها يعكس توقعات بأن تنفجر الأمور جنين في أي لحظة.
ونفى قرعاوي لـ"الرسالة" أن تكون الحملة التي تنفذها أجهزة السلطة في جنين تستهدف بالمقام الأول محاربة الفوضى والفلتان الأمني لأنها تقوم بملاحقة المقاومين الشرفاء، مبيناً أن هذه الحملة رسالة أمنية للجميع مفادها "نحن هنا" وهذا يعكس تخبط السلطة وأجهزتها من أن تنقلب الأمور في الضفة في غير صالحهم.
وذكر قرعاوي "أن المقاومين والمواطنين يتمتعون بنوع من الحرية في ممارسة نشاطاتهم، وهو الأمر لا تريده السلطة، وعملت خلال تلك الفترة لتغيير هذا الواقع بحجج ودواع أمنية مختلفة.
"أبو عين: الحملة تأتي لفرض القانون وتطبيق النظام على الجميع
"
وأردف القيادي في حماس، أن لدى أجهزة السلطة تخوفات كبيرة من أن تأخذ المقاومة الفلسطينية الحقيقية المبادرة في حماية المواطنين من بطش الاحتلال، ولذلك تقوم بحملات استباقية من أجل أن تشعر المقاومة بالملاحقة الدائمة.
ورغم ذلك، أكد قرعاوي أن هناك تخوف داخل الفصيل الواحد الذي تتبع له السلطة برام الله، من انزلاق الأمور الأمنية من بين بيديها، مبيناً أنه يسودها حالة من الترقب والحذر الشديدين من حدوث حالات ثأرية واسعة في حال حصول أي حدث كبير يؤجج الخلافات الداخلية.
وأشار إلى احتمال أن لدى أجهزة السلطة معلومات بأن هناك جهات تنتظر وقتا محددا، قد تفتح من خلاله الفلتان الأمني على أوسع أبوابه، داعياً إلى تغليب لغة العقل في حل الخلافات الداخلية وتجنيب المواطنين أي أعمال من شأنها ترويعهم.
وانتقد قرعاوي بشدة دخول أجهزة السلطة لجنين بهذه القوات الكبيرة، معتبراً ذلك عبارة عن "استعراض عضلات وفيه رسالة ترهيب لجميع الأطراف الفلسطينية"، مستهجناً المزاعم بأنها "عملية تفقدية" وأضاف" الحملة التفقدية تكون بجلوس المحافظ مع المواطنين وليس بإرهابهم بالمدرعات والقوات المدججة بالأسلحة(..)".
تطبيقاً للنظام والقانون
أما زياد أبو عين عضو المجلس الثوري لحركة فتح، فقد اعتبر أن الحملة الأمنية التي تقوم بها أجهزة السلطة في جنين تأتي لفرض القانون وتطبيق النظام على الجميع، مشيراً إلى أن هناك بعض الفصائل تُحدِث بين الحين والآخر توترات ويجب ردعها.
ويرى أبو عين في حديثه لـ"الرسالة" أن الانتشار الواسع لأجهزة السلطة في جنين "شئ طبيعي لفرض القوة المفترضة"، مبرراً الحجم الكبير لهذه القوات بالقول "حتى لا يستهان بها ويتم الاعتداء عليها"، زاعماً أن أجهزة السلطة لا تحابي أحدا في فرض القانون!.
وأضاف "السلطة مهمتها محدودة وهي قادرة على بسط الأمن وستعود بعدها إلا ثكناتها".
واستخف أبو عين بالاتهامات الموجهة لأجهزة السلطة بأنها تلاحق في حملتها الفصائل المقاومة للاحتلال، وتساءل "أين هذه المقاومة التي لا نراها على الأرض تقاوم الاحتلال ؟"، مؤكداً أن ما تشهده الضفة من الفصائل التي تحمل شعار المقاومة هو " أحداث داخلية وفوضى أمنية"، على حد تعبيره.
"خلط الحابل بالنابل"
من ناحيته، أكد النائب المستقل حسن خريشة، بأن أجهزة السلطة تحاول في حملتها "خلط الحابل بالنابل" من خلال إعلانها محاربة الفوضى الفلتان في الوقت الذي تلاحق فيه فصائل المقاومة الشريفة.
"خريشة: محاربة الفلتان يجب أن تكون حقيقية
"
وشدد خريشة لـ"الرسالة" على أن الملاحقة الحقيقية للفلتان المستشري في معظم مدن الضفة يجب أن تكون حقيقية، مشيراً إلى أن معظم حالات الفوضى والفلتان عندما يتم تتبعها نكتشف أن مرتكبيها ينتمون للأجهزة التابعة لفتح، حسب تأكيده.
وأكد خريشة أن المواطنين في الضفة ساءهم كثيراً تلك الحملات التي لا ينتج عنها إلا المزيد من الفوضى والفلتان، داعياً إلى عدم الانجرار وراء الدعاوي التي تحاول صرف الأنظار عن حقيقة ما يجري في الضفة من انتهاكات للحريات والحقوق.
وتكررت حوادث إطلاق النار والعربدة في بعض الشوارع القرى والمدن في الضفة، وذلك في الوقت الذي تُفاخر فيه أجهزة السلطة برام الله بانجازاتها على مستوى ضبط الحالة الأمنية والقضاء على الفوضى والفلتان الأمني!.
وتشير هذه الأحداث إلى هشاشة الواقع الأمني في الضفة الغربية في ظل غياب العدالة في المحاسبة لجميع فئات المجتمع وعدم التعاطي الجدي مع جهات متنفذة تعتبر نفسها فوق القانون.