لم تهدأ آليات الحفر العسكرية على الشريط الحدودي مع جنوب قطاع غزة مُنذ الإعلان عن اكتشاف نفقٍ ممتد من داخل الأحياء الشرقية لمحافظة خان يونس إلى داخل الأراضي المُحتلة عام 48، تحديدًا كيبوتس "العين الثالثة" فيما يبدو انه عملية بحث ربما عن أنفاقٍ أخرى بمساندة وحماية عدد من الآليات والجيبات العسكرية (الإسرائيلية).
المعطيات على الارض تشير الى ان الانفاق ستكون السلاح الاقوى والاكثر قدرة على الصمود في اي مواجهة قادمة بين المقاومة والاحتلال (الإسرائيلي). فبحسب التقارير (الإسرائيلية) حسنت حماس قدراتها في بناء الأنفاق، باستخدام وسائل تقنية حديثة، وأقامت شبكة أنفاق في قطاع غزة، تحولت إلى مدينة ضخمة تحت الأرض بهدف استخدامها في عمليات قادمة في حال شن جيش الاحتلال عملية اجتياح للقطاع.
المعطيات اختلفت
ورغم عدم اعتراف حركة "حماس"، في البداية صراحة، بمسؤوليتها عن النفق الذي اكتشفته (إسرائيل)، قرب حدود قطاع غزة، بداية الأسبوع الماضي، إلا أن كل الدلائل تشير إلى اعتمادها سلاح "الأنفاق"، في محاولة منها لامتلاك أوراق قوة في وجه جيش الاحتلال (الإسرائيلي) الذي يمتلك إمكانيات هائلة.
وكان لافتا ما ذكره إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية بغزة ونائب رئيس المكتب السياسي للحركة، في خطابه الذي ألقاه السبت الماضي، حينما قال إن "الآلاف من المقاومين يتجهزون فوق الأرض و"تحتها" لتحرير فلسطين وملاقاة العدو" في اشارة واضحة لسلاح الانفاق الذي باتت المقاومة تعتمد عليه.
وبمجرد الاعلان عن اكتشاف النفق تعالت الأصوات (الإسرائيلية) الداعية إلى "ضربة تساهم في شل القدرات العسكرية لحماس"، بعد أن أعلن مسؤولون في الحركة، أنهم "يقفون خلف حفر النفق، الا ان عددا من المراقبين استبعدوا شن أي عملية على القطاع في المرحلة الحالية، لكنهم رأوا أن القيادة (الإسرائيلية) ستحاول استغلال النفق، لتهيئة الرأي العام (الإسرائيلي) والخارجي وتحضير قائمة اتهام ضد حركة حماس تستخدمها عند الضرورة.
الخبير في الشأن الامني د. ابراهيم حبيب اكد أن اكتشاف الاحتلال النفق التابع لكتائب القسام لن يؤدي لمواجهة لعدة أسباب أهمها يتعلق بالشأن (الإسرائيلي)، حيث ان الاحتلال اعتاد ان يخطط ويبدأ الهجوم في اللحظة التي يراها مناسبة له الا ان هذه المعطيات اختلفت وتصاعد قدرات المقاومة جعله يحسب الف حساب لأي عمل او هجوم على غزة.
وبين أن الاحتلال يدرك ان المقاومة باتت تمتلك اوراق قوة وشبكة من الانفاق التي ستستخدمها في اي مواجهة قادمة، لذلك فهو يسعى لمواجهة المقاومة من خلال تقييدها دون الاقدام على ضربها بشكل مباشر.
وأوضح حبيب ان الاحتلال بدأ بتنفيذ خطة واسعة النطاق من خلال حفر خندق في محيط القطاع بعمق 25 متراً لاكتشاف أي انفاق اخرى وقطع الطريق على المقاومة في محاولة حفر انفاق جديدة، مشيراً إلى أن الاحتلال حاول من خلال اكتشافه للنفق تسويق انتصار وهمي بينما جاءت النتائج عكسية بعدما دب الرعب في سكان المستوطنات المحيطة بغزة، وخشيتهم من اي عمليات قد تجري في تلك المناطق وخاصة إذا كان الهدف منها اسر جنود.
من جانبه استبعد المحلل السياسي هاني البسوس أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية أن يكون النفق الاخير مقدمة لأي هجوم (إسرائيلي) ضد قطاع غزة، مشدداً على أن (إسرائيل) غير معنية في هذه الأوقات بشن أي هجوم عسكري ضد القطاع.
وبين البسوس أن الاحتلال أصبح يدرك قدرات المقاومة ويخشى التورط في اي عمل عسكري قد لا يعرف عواقبه، مشيرا إلى أن (إسرائيل) ستستغل النفق للتحريض ضد الفلسطينيين في الخارج وتبرير اي اجراءات عقابية تتخذها ضدهم.
ويبدو أن ادانة الأمم المتحدة للنفق واعتبارها بناء الأنفاق خرقا لاتفاقيات وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها في نوفمبر عام 2012، يأتي كنتيجة لحملات التحريض (الإسرائيلية) المكثفة في الخارج بعد اكتشاف النفق.
نفق لهدفين
ويقدر مسؤولون عسكريون (إسرائيليون) أن حماس تبني الأنفاق لهدفين أساسين: "الهجوم والدفاع"، موضحين بأن حماس تبني الأنفاق تحت مراكز المدن الكبرى في القطاع مثل رفح وغزة، في ظل تقديراتها بإمكان اندلاع مواجهات مع الجيش (الإسرائيلي) في تلك الأماكن في حال دخول القوات (الإسرائيلية).
من ناحيته اعتبر حبيب أن اكتشاف النفق لم يكن نجاحا لـ(إسرائيل) بقدر ما كان انتكاسة وصدمة، وعلى مدار عام ونصف يحفر جيش الاحتلال انفاقا على عمق خمسة عشر متراً في محاولة لاكتشاف انفاق المقاومة الا ان نفق خانيونس كان اكبر من التوقعات، لافتاً إلى أن النفق شكل خيبة امل لقادة الاحتلال لان الحصار والتضييق وجميع الاجراءات التي اتخذت لم تنجح في شل عمل المقاومة.
وشدد حبيب على ان المقاومة الفلسطينية باتت تفهم عقلية المحتل، لذا فهي اكثر قدرة على مراوغته وتستطيع العمل على تطوير قدراتها وخداعه وتضليله.
بدوره لفت البسوس الى ان الاحتلال سيعتمد سياسة الحرب النفسية والضغط الاقتصادي على اهالي القطاع، مبيناً ان تأكيدات المقاومة على استعدادها لصد أي هجوم ضد غزة لها دلالة مهمة.
وأوضح البسوس أن الجيش الصهيوني والمستوطنين داخل المستوطنات المحاذية لقطاع غزة يشعرون بالخوف والفزع الشديد نتيجة استمرار المقاومة الفلسطينية بحفر الأنفاق الحدودية، مؤكداً أن الأنفاق أصبحت كابوسا يؤرق الصهاينة في كل مكان من حدود غزة.
وكان أستاذ الدراسات الأمنية الاستراتيجية بأكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية بغزة د. هشام المغاري قال عبر صفحته على "فيسبوك"، إنه استجمع خبراته، وبدأ يحسب بعض الأرقام التي تخص نفق المقاومة الذي تم اكتشافه شرق خانيونس.
وأوضح أن طول النفاق امتد نحو (2500) متر، ويقدّر عرضه بحسب الفيديو الذي ظهر في وسائل الإعلام نحو (1.2) متراً وارتفاعه نحو (2.2) متراً شاملاً سمك الجدران الخرسانية، أي أن حجمه يبلغ نحو (6600)م3، بما يعني أن كمية الرمال التي تم إخراجها منه تعادل نحو (365) شاحنة.
وقال: "كمية الحفر تعادل نحو (660) ألف (دلو) من الرمال (نحو ثلثي مليون دلو) وكل هذا تم حفره تحت الأرض ونقله يدوياً أو بواسطة معدّات ميكانيكية بسيطة. ولك أن تتخيل أن كل (دلو) منها تحرك تحت الأرض مسافة متوسطها (1250 متراً).
وتبنى الناطق باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام أبو عبيدة النفق رسمياً، وقال إن "هذا النفق حفر بأيدي مجاهدي القسام، وإن عيونهم لم ولن تنام عن ضرب المحتل وخطف الجنود".