أهالت الذكرى التاسعة لوفاة الرئيس ياسر عرفات، التراب على التوتر الذي كان يسود الفلسطينيين في قطاع غزة قبل أيام، من إمكانية إقدام إسرائيل على شن عدوان جديد، عقب "عملية خانيونس" وما أتبعها من حديث عن نية كتاب القسام حينها، خطف جنود.
مارس نشطاء الإعلام الجديد دورهم بين محذر لحرب جديدة، وآخر يستبعدها طبقًا لعوامل ساقها ومحللون، تتعلق بالجهة المنفذة إسرائيل.
"الرسالة نت" ارتأت أن تمرر العدسة على قرار الحرب في اسرائيل، باعتباره من قرارات الأمن القومي، وكذلك تأثير المؤسسة العسكرية فيه.
ويجمع مراقبون في الشأن الإسرائيلي، على أن حكومة الاحتلال، الجسم المخول باتخاذ قرار الحرب. فقانون الحكومة الأساس ينص بشكل واضح وصريح ما يلي: "لا تشن الدولة حربًا إلا بقرار من الحكومة".
يقول الدكتور عدنان أبو عامر، الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي: "قرار الحرب في الكيان يتخذ بالضرورة من رئيس الحكومة بشكل أساسي"، مضيفًا: "رئيس الحكومة هناك لديه مجموعة من الأجسام الدستورية والقانونية والحكومية، أهمها المجلس الأمني المصغر للشؤون السياسية والأمنية، ثم المطبخ السياسي والأمني، إلى جانب المؤسسة الأمنية والعسكرية".
وتشير دراسة أعدها الأستاذ الجامعي الفلسطيني "محمود محارب، إلى أن ما يميز عملية صنع القرارات في الأمن القومي الإسرائيلي، من عملية صنع قرارات في مجالات أخرى، هو السرية. ويمكن القول إنه كلما ازدادت أهمية الموضوع الذي يتخذ القرار بشأنه، يقل عدد المشاركين في صنعه.
ووفق الدراسة، فإنه "عادة ما يعمل رئيس الحكومة على تأليف مجموعة قليلة الأشخاص، معظمهم غير أعضاء في الحكومة، للمشاركة معًا في وضع السياسة ورسمها وطبخ القرارات في مطبخ الرئيس، ثم يضعها على مائدة الحكومة كي تأكلها وتجيزها".
ويشير أبو عامر إلى "أن باقي الأجسام الإسرائيلية تعرف بقرار الحرب كما يعلم الجميع عبر وسائل الإعلام، وهذا ما حصل في الحربين السابقتين على غزة ولبنان".
ويؤكد أن اعتبارات اتخاذ قرار الحرب، تقدرها المؤسسة الأمنية، خاصة جهاز الاستخبارات العسكرية، وفق معطيات ومعلومات على أرض الواقع، إلى جانب اعتبارات سياسية.
وعلى ذكر المطابخ السياسية، فإن (مطبخ غولدا مئير) الأكثر شهرة من بين مطابخ رؤساء الحكومات الإسرائيلية، وكان يجري فيه بحث مواضيع مهمة تتعلق بالأمن القومي، وكذلك (مطبخ دافيد بن غوريون) الذي كان يعتقد أن الحكومة ليست المكان الملائم لوضع السياسة ورسمها.
ولا يقرر الجيش الإسرائيلي المجريات العسكرية للحرب فحسب، وإنما يتدخل في معظم الأحيان، في تحديد أهدافها ونتائجها أيضًا.
ويتمسك الجيش في عملياته العسكرية أثناء الحرب بالهدف، بدلًا من التمسك بالخطط الموضوعة التي أقرتها القيادة السياسية وفق التطورات على الأرض. وهذا يؤكد حقيقية انتصار المقاومة الفلسطينية في عدوان 2008 (حرب الفرقان)، على اعتبار أن إسرائيل وضعت 3 أهداف للحرب، لم يتحقق منها شيء.
وكانت أهداف الجيش الإسرائيلي حينها، إطلاق سراح الجندي المختطف جلعاد شاليط، ووقف إطلاق القذائف الصاروخية من قطاع غزة، وثالثًا القضاء على حركة حماس وقادتها. ولم تفلح إسرائيل في أي منها، سوى اغتيال اثنين من أبرز قادة حماس، هما الشيخان سعيد صيام ونزار ريان.
"هل يمكن أن تشن إسرائيل حربًا على غزة؟"، سؤال أورده حديثًا الدكتور هشام المغاري أستاذ الدراسات الأمنية بغزة عبر صفحته الشخصية بفيسبوك. ويورد معطيات كانت أشبه بإجابة واضحة لحقيقة "الغموض الأمني" الذي تعيشه إسرائيل.
وقدّر المغاري بأن إسرائيل لن تخوض حربًا حقيقية ضد غزة حتى نهاية العام الجاري، وأنها ستحرص على تبادل حالة الهدوء الحذر، لكنه قال "إنها ستعيد الحرب النفسية فقط"، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن عددًا ليس بالقليل من الفلسطينيين ربطوا بين تاريخ اندلاع حربي 2008 و2012 نهاية العام، بإمكانية اندلاع حرب جديدة نهاية العام الحالي.
ووضع أستاذ الدراسات الأمنية، أسئلة قال "إنه يتوجب على زعماء ورجال أمن إسرائيل الإجابة عليها قبل الإقدام على شن حرب جديدة". وقال أيضًا "لا يمكن لإسرائيل أن تخوض حربًا عندما تحيط بها حالة من عدم اليقين".
وتمحورت أسئلة المغاري، حول إمكانية وجود أنفاق جديدة للمقاومة غير الذي جرى اكتشافه بخانيونس جنوب قطاع غزة، وأيضًا إمكانية تسلل رجال المقاومة إلى المدن والقرى المحتلة؛ لتنفيذ عمليات في ساعة الصفر، وثالثًا، احتمالية أن تكون المقاومة اخترقت الجبهة الداخلية بإسرائيل، وجنّدت من يتعاون معها لاحقًا.
ومع هالة الغموض التي تحيط بقرارات الحرب في إسرائيل، تواظب المقاومة الفلسطينية على تأكيد جهوزيتها لأي عدوان مقبل، بل وتحذر من أن في جعبتها مفاجآت ستؤلم الجيش.