عندما تجد السلطة الفلسطينية نفسها في مأزق وقد أوشكت على الاصطدام بالحائط، تسرع إلى خلق حجج تحاول فيها كسب ماء وجهها كي لا تظهر أمام الشعب أن مفاوضاتها مع (إسرائيل) فاشلة.
آخر الحجج التي ساقتها السلطة كانت إعلان رئيس السلطة محمود عباس استقالة فريق التفاوض احتجاجا على عدم تحقيق تقدم في المفاوضات.
أبو مازن في قرارة نفسه لا يحبِّذ خيارًا بدل المفاوضات؛ لكنه يُظهر "حردًا" أمام الجلوس على الطاولة لعله في ذلك يضغط على (إسرائيل) لتنزل عند رغباته.
المفاوضات بالنسبة للسلطة تعدّ "البرَكة"، فعندما تقاطعها بجدية يعني ذلك قطع المساعدات الأوروبية التي تعول عليها، وذلك لا يصب بمصلحتها في ظل الأزمة التي تعانيها.
المحلل مصطفى الصواف رأى أن عباس سيرتب لجولة جديدة من المفاوضات بعد استقالة فريق التفاوض، لأنه لا يستطيع التخلي عنها حتى لو كانت النتائج لصالح (اسرائيل).
ويقول الصواف لـ "الرسالة نت" إن عباس وافق على الشروط (الاسرائيلية) وقبِل بالمقايضة على وقف الاستيطان مقابل الافراج عن 104 من أسرى "أوسلو"، وقد استجاب الاحتلال لذلك.
والمشهد المقبل لمستقبل المفاوضات يُظهر استمرار عباس في مسرحيته الهزلية حتى تمضي المهلة المؤقتة التي وضعها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أمام الطرفين.
وأمام عباس خياران بعد الخطوة التي أقدم عليها فريق التفاوضل: الأول يتمثل في عودته إلى الشعب وقواه وهو غير وارد في حساباته، أما الثاني، ترك الساحة السياسية وعندها ستكون الأمور مختلفة.
ويعتبِر الصواف أن استقالة فريق التفاوض يعد "لعبة سياسية" يسعى خلالها أبو مازن إلى الضغط على الإدارة الأمريكية من أجل حث (إسرائيل) على الانصياع لشروط السلطة.
وهذا ليس أمرًا جديدًا على السلطة فقد أعلن صائب عريقات رئيس الوفد التفاوضي استقالته سابقًا لكن عباس رفضها.
ويرى الصواف أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري سيعمل على إرضاء السلطة وسيعود بها إلى الطاولة مجددًا، لكن (اسرائيل) لا يعنيها قرار الاستقالة لأنها تدرك عجز عباس على ترك المفاوضات.
وتصف (إسرائيل) أسلوب أبو مازن في طرح الاستقالة بـ "العقيم" لأنه استخدمه سابقًا وقد أثبت فشله، فأبو مازن يعتبر المفاوضات الطريق الأوحد للبقاء والاستمرار.
المحلل السياسي حسن عبدو يقول لـ "الرسالة نت" إن ما جرى يعد مؤشرًا فعليًا على تأزم المفاوضات مع (إسرائيل)، ويعبّر عن حالة فشل ذريع ضربت المحادثات بين الطرفين.
وأضاف: "هذا دليل على تعذر التوصل إلى اتفاق خاصة بعد عودة أفيغدور ليبرمان إلى سدة وزارة الخارجية الاسرائيلية، الأمر الذي يعني وجود حائط يعترض تحقيق أي اتفاق".
المصالحة لن تتأثر
الفلسطينيون يسرحون بخيالهم بعيدًا بعد قرار الاستقالة بإمكانية عودة عباس إلى حضن الشعب وتحقيق المصالحة مع حماس.
لكن الصواف يؤكد أن عباس "لا يريد المصالحة مطلقًا ولن يتجه إلى دعوة حماس(..) لأن عقيدة أبو مازن تقوم على عدم الإنضمام إلى الشعب وقواه وفصائله".
ويتفق عبدو مع رأي الصواف قائلًأ: "إن عباس لا يضع قضية إنهاء الانقسام ضمن أجندته على الرغم من أنها جوهرية"، مؤكدًا أن تحقيق المصالحة مع حماس أمر مستبعد حاليًا.
ونصح الصواف أبو مازن بترك العمل السياسي وفلسطين، والذهاب إلى أي دولة تشكل حماية له، في حين نصحه عبدو إلى التوجه نحو مصارحة الشعب بفشل المسيرة التفاوضية.
وتوقع عبدو أن يسلك عباس مسارًا عكسيًا ويرجع من خلاله مجددًا إلى الجامعة العربية التي ستكون طريقًا نحو الذهاب إلى الأمم المتحدة.
ويؤكد أن عملية التفاوض منذ البداية كانت واضحة المعالم بأنها لن تحقق أي إنجاز جديد على صعيد ملف التسوية، ولم يكن لدى (إسرائيل) نية سوى التلهي بالطرف الفلسطيني.
ودليل عبدو على ذلك يتمثل في إصدار حكومة الاحتلال قرارا يقضي ببناء 20 ألف وحدة استيطانية على أراضي الضفة، وبعد يوم واحد طالبت وزارة الاسكان بإعادة النظر في القرار.
ويأتي ذلك بعد أن أبدت الإدارة الأمريكية والسلطة الفلسطينية استياءهما إزاء قرار بناء 20 ألف وحدة استيطانية وفي ذلك دليل على لعب (إسرائيل) وعدم جديتها في مفاوضاتها.