رعشة في جسده، فاضت بعدها مقلتاه دمعاً لرحيل " الجندي المجهول " الذي تنسم ورفقاء له في الأسر على يديه هواء الحرية.
ابتسامة " مهندس صفقة وفاء الأحرار" الدافئة وآخر الأمنيات التي أهداها للمحررين لحظة استلامهم كانت حاضرة خلال تلقي المحرر أسعد أبو صلاح خبر استشهاد رئيس أركان حماس أحمد الجعبري قبل عام.
" عهد عليا ما يبقى أسير بالسجون " كلمات للجعبري ما فتئ أبو صلاح يسترجعها في الذكرى الأولى لرحيله، فخراً به وأملاً بأن يولد جعبري جديد ليفك معاصم نجليه وشقيقه ونجل شقيقه من أصفاد السجان.
" فرحة أهلي وابتسامة صغاري من حولي تذكرني به دوماً لأنه صاحب الفضل بعد الله " يقول المحرر أبو صلاح (للرسالة) معبراً عن امتنانه للجعبري حيث أصر على أن يتم ادراج اسمه ضمن قائمة المفرج عنهم ، ويضيف: "نفتقد انسان عظيم وأب حنون على الأسرى وقائد فذ سعى الى حرية وكرامة شعبه".
ويمثل الجعبري لمحرري وفاء الأحرار الحرية والأمل بعد أن أسس لمرحلة مقبلة من الصراع مع العدو، حيث تتميز شخصيته بقدرات كبيرة جداً نقل بها كتائب القسام نقلات نوعية واضعاً لها نظاما عسكريا متينا، فمنذ اليوم الأول للإفراج عنهم وهم يبعثون برسائل شكر وامتنان للقائمين على الصفقة، وعلى رأسهم القائد الجعبري، وشهداء عملية الوهم المتبدد.
ويؤكد المحرر أبو صلاح من بيت حانون بأنه لن يوفي الجعبري حقه، موجهًا عظيم تقديره له ولتضحياته، ويؤكد على أن دماءه أمانة في عنق كل أسير محرر.
أبو صلاح هو واحد من 1027 محررا بصفقة وفاء الأحرار ممن يفتقدون مسيرة جهادية أثمرت صفقة مشرفة لأبعد الحدود.
في الذكرى الأولى لرحيل الجعبري ستجتاح ذاكرتك كلماته القوية حينما سُئل في احدى المقابلات الصحفية: أنت أقرب ما تكون للموت، فأجاب بإيمانه ووطنيته: "هذا وطن غال وهذه قضية غالية وهذه الجنة".
وبعد مرور عام على اندلاع معركة "حجارة السجيل" ورحيل أبو محمد الجعبري بقصف (إسرائيلي) على سيارته يوم الأربعاء 14 نوفمبر 2012، يفتقده المحررون المبعدون من الضفة، ويقول المحرر المبعد من الخليل على عصافرة : "هو قائدي وقدوتي ونفتقد شهامته ولو كان حياً ما كان ليصبر عامين دون صفقة جديدة".
وبلهجته الخليلية يتحدث عن اللحظات التي جمعته مع القائد الجعبري خلال الافراج واصفاً اياها بلحظات البعث، مشيراً الى أن ذكراه محفورة بالذاكرة ولا نحتاج لذكرى رحيله الأولى حتى نستحضر مواقفه وتضحياته".
وقال المبعد : "هو حي في قلوبنا وعقولنا وله مكانة عظيمة لا يمر يوم الا ونذكره بخير فلولا الله ثم الجعبري لكنا في غيابة الجب".
وفاء الجعبري
ليس فقط في ذكرى رحيله الأولى يسترجعه المحررون، فهو الحاضر في أدق تفاصيل حياتهم ولحظات سعادتهم وضحكات صغارهم وجلساتهم العائلية الدافئة يستحضرون ابتسامته وترافقهم صورته وهو يشرف على صفقة وفاء الأحرار ومراسم تسليم الجندي (الإسرائيلي) شاليط، واليوم يرقد بسلام بعدما تأكد أن المقاومة لم تخمد نيرانها، ولم تتحول جذوتها الملتهبة إلى رماد أسود.
ويطمح المحرر أبو صلاح أن تعقد صفقة جديدة لإطلاق سراح الاسرى ويطلق عليها اسم "وفاء الجعبري" وفاءً للمناضل الكبير، منوهاً الى أنه حمل هم الأسرى بعد معايشته لتجربة الأسر.
وكان الشهيد أحمد الجعبري بمثابة الجندي المجهول، يخطط من خلف الكواليس ويحرك زمام الأمور العسكرية، حتى أن (الإسرائيليين) ذكروا بأنه أذلهم في المفاوضات حول شاليط، وأعجزهم بشروطه ومطالبه، وأنه لم يبدِ قلقاً أو ضعفاً، ولم يقدم تنازلاً أو تراجعاً، ولكنه صمد حتى تمت صفقة تبادل الأسرى على يديه رحمه الله.
ويسترجع الضفاوي عصافرة أبرز وصايا الجعبري لهم وأهمها: "اياكم والدنيا لا تأخذكم كما اخذت من قبلكم وتذكروا بأنكم كنتم أمواتا فأحياكم الله، وانشغلوا بالصلاة والدعاء.
جعبري جديد
وحينما تغفو العيون تناجي لوعة المشتاق أبو صلاح صور ولديه بنفحة مردداً كلمات للمتنبي حفظها عن ظهر قلب: "وتطلبهم عيني وهم في سوادها.. ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي".
ويحلم أبو صلاح بيوم حرية تجمعه وعائلته ورفقاء الزنزانة، وفيما يخص امكانية عقد وفاء احرار جديدة، قال: "الحركة ولادة وبإذن الله سيولد جعبري جديد على عهد القائد أبو محمد ليحرر من تبقى في الأسر ولأتمكن من احتضان أبنائي".
والجدير ذكره بأن المحرر أبو صلاح أفرج عنه من سجون الاحتلال ضمن صفقة "وفاء الأحرار" وترك خلفه نجليه وشقيقه ونجل شقيقه داخل السجون (الإسرائيلية).
"الرسالة" استرجعت حديثا سابقا لشقيق الجعبري أبو عاصم، حيث لفت الى أن أول ما كان يدعو به الجعبري أثناء أذان المغرب في شهر رمضان هو دعاء للأسرى، وقال: "كان يوصينا بالدعاء لهم لأنهم محرومون داخل الزنازين من أدنى مقومات الحياة".
وارتبطت تفاصيل حياة الجعبري واهل بيته بوجع الأسرى وأناتهم الحاضرة دوماً، وفي السياق يوضح المحرر أبو صلاح بأن خلف الجعبري رجال بعظمته وحكمته، مشيرًا إلى ضرورة أن تكثف المقاومة جهودها أكثر حتى تبيض السجون.
وعند سؤالنا للمبعد عصافرة "هل سيولد جعبري جديد؟"، سبقت بسمته كلماته وردد: "إللي خلف ما مات " نفتقده كشخص ولا نفتقد حماسه وارادته وعبقريته موجودة في رجال كتائب القسام من خلفه.
"وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر "كلمات معنونة لصورة الجعبري في بيت عائلته بحي الشجاعية، فلدى دخولك اليه ستحاصرك صور الشهيد من كل الاتجاهات وستدفع ذاكرتك للدعاء لصاحب أفضل مشاريع جهادية وصانع المبادرات بالرحمة والمغفرة بعد عام على غيابه.
ولا تزال عيون الأسرى داخل السجون تتوق اشتياقا لصفقة جديدة تحمل في جعبتها أحرارا جددا
بعد مرور عام على رحيل العقل المدبر للصفقة والتي بقيت سيرته الطيبة حاضرة بين دعوات المحررين منهم.